Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 15-17)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحاً ومن كان معه آية ، يعني عِبْرة وعظة لمن بعد قوم نوح من الأمم ليعتبروا ويتعظوا ، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله ، وتكذيب رسله ، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قال : أبقاها الله بباقَرْدي من أرض الجزيرة ، عبرة وآية ، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظراً ، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رماداً . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً } قال : ألقى الله سفينة نوح على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة . قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن مجاهد ، أن الله حين غرّق الأرض ، جعلت الجبال تشمخ ، فتواضع الجوديّ ، فرفعه الله على الجبال ، وجعل قرار السفينة عليه . وقوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } يقول : فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الأمة التي كفرت بربها ، وعصت رسوله نوحاً ، وكذّبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة ، فيعتبر بهم ، ويحذر أن يَحِلّ به من عذاب الله بكفره بربه ، وتكذيبه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، مثل الذي حلّ بهم ، فيتيب إلى التوبة ، ويراجع الطاعة . وأصل مدّكر : مفتعل من ذكر ، اجتمعت فاء الفعل ، وهي ذال ، وتاء وهي بعد الذال ، فصيرتا دالاً مشدّدة ، وكذلك تفعل العرب فيما كان أوّله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعاً دالاً مشدّدة ، فيقولون : ادّكرت ادّكاراً ، وإنما هو اذتكرت اذتكاراً ، وفهل من مذتكر ، ولكن قيل : ادّكرت ومدّكر لما قد وصفت ، قد ذُكر عن بعض بني أسد أنهم يقولون في ذلك مذّكر ، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالاً مشددة ، وذُكر عن الأسود بن يزيد أنه قال : قلت لعبد الله بن مسعود : فهل من مدّكر ، أو مذّكر ، فقال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مُذّكر » يعني بذال مشددة . وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ } قال : المدّكر : الذي يتذكر ، وفي كلام العرب : المدّكر : المتذكر . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قال : فهل من مذّكر . وقوله : { فَكَيْفَ كانَ عَذَابِي ونُذُرْ } يقول تعالى ذكره : فكيف كان عذابي لهؤلاء الذين كفروا بربهم من قوم نوح ، وكذّبوا رسوله نوحاً ، إذ تمادوا في غيهم وضلالهم ، وكيف كان إنذاري بما فعلت بهم من العقوبة التي أحللت بهم بكفرهم بربهم ، وتكذيبهم رسوله نوحاً ، صلوات الله عليه ، وهو إنذار لمن كفر من قومه من قريش ، وتحذير منه لهم ، أن يحلّ بهم على تماديهم في غيهم ، مثل الذي حلّ بقوم نوح من العذاب . وقوله : { وَنُذُرِ } يعني : وإنذاري ، وهو مصدر . وقوله : { وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ } يقول تعالى ذكره : ولقد سهَّلنا القرآن ، بيَّناه وفصَّلناه للذكر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ ، وهوّناه . كما : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَسَّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ } قال : هوّناه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ } قال : يسَّرنا : بيَّنا . وقوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ } يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر . وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيُعان عليه ، وذلك قريب المعنى مما قلناه ، ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله ، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَلَقَدْ يَسّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر } يقول : فهل من طالب خير يُعان عليه . حدثنا الحسين بن عليّ الصُّدَائيّ ، قال : ثنا يعقوب ، قال : ثني الحارث بن عبيد الإياديّ ، قال : سمعت قتادة يقول في قول الله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قال : هل من طالب خير يُعان عليه . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما ، عن ابن شَوْذَب ، عن مطر ، في قوله : { وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قال : هل من طالب علم فيعان عليه .