Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 31-34)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { سَنَفْرُغُ لَكُم أيُّها الثَّقَلانِ } فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } بالنون . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة « سَيَفْرُغُ لَكُمْ » بالياء وفتحها ردّاً على قوله : { يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ والأرْضِ } ولم يقل : يسألنا من في السموات ، فأتبعوا الخبر الخبر . والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وأما تأويله : فإنه وعيد من الله لعباده وتهدّد ، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده ، ولا شغل له يشغله عن عقابه ، لأتفرغنّ لك ، وسأتفرّغ لك ، بمعنى : سأجدّ في أمرك وأعاقبك ، وقد يقول القائل للذي لا شغل له ، قد فرغت لي ، وقد فرغت لشتمي : أي أخذت فيه وأقبلت عليه ، وكذلك قوله جلّ ثناؤه : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } سنحاسبكم ، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ ، فنعاقب أهل المعاصي ، ونثيب أهل الطاعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّها الثَّقَلانِ } قال : وَعيد من الله للعباد ، وليس بالله شغل ، وهو فارغ . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أنه تلا { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّها الثَّقَلانِ } قال : دنا من الله فراغ لخلقه . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جُويبر ، عن الضحاك { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّها الثَّقَلانِ } قال : وعيد ، وقد يُحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى : سنفرُغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب . وقوله : { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذّبانِ } : فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم ، من ثوابه أهل طاعته ، وعقابه أهل معصيته تكذّبان ؟ . وقوله : { يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا } فقال بعضهم : معنى ذلك : إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض ، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم ، فجوزوا ذلك ، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم ، قالوا : وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة . قالوا : ومعنى الكلام : سنفرغ لكم أيها الثقلان ، فيقال لهم : { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَار السَّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا } . ذكر من قال ذلك : حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، قال : « إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقَّقت بأهلها ، ونزل من فيها من الملائكة ، فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية ، ثم بالثالثة ، ثم بالرابعة ، ثم بالخامسة ، ثم بالسادسة ، ثم بالسابعة ، فصفوا صفاً دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنِّبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله : { إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } وذلك قوله : { وَجاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ، وجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } وقوله : { يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بسُلْطانٍ } ، وذلك قوله : { وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ والمَلَكُ على أرْجائها } وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ، فانفدوا هاربين من الموت ، فإن الموت مُدرككم ، ولا ينفعكم هربكم منه . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : { يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ } … الآية ، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت ، وأنهم ميتون لا يستطيعون فراراً منه ، ولا محيصاً ، لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان الله ، ولأخذهم الله بالموت . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { يا مَعَشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بسُلْطانٍ } يقول : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه ، لن تعلموه إلا بسلطان ، يعني البينة من الله جلّ ثناؤه . وقال آخرون : معنى قوله : { لا تَنْفُذُونَ } لا تخرجون من سلطاني . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بسُلْطانٍ } يقول : لا تخرجون من سلطاني . وأما الأقطار فهي جمع قُطْر ، وهي الأطراف . كما : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } قال : من أطرافها . وقوله جلّ ثناؤه : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها } يقول : من أطرافها . وأما قوله : { إلاَّ بسُلْطانٍ } فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل . وقال آخرون : معناه : إلا بحجة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عِكرمة { لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بسُلْطانٍ } قال : كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { بسُلْطانٍ } قال : بحجة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا بملك وليس لكم ملك . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن مروان ، قال : ثنا أبو العوّام ، عن قتادة { فانْفُذُوا لا تَنْفُذُون إلاَّ بسُلْطانٍ } قال : لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطانٍ } قال : إلا بسلطان من الله ، إلا بملكة منه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لا تَنْفُذُونَ إلاَّ بسُلْطانٍ } يقول إلا بملكة من الله . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : إلا بحجة وبينة ، لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب ، وقد يدخل الملك في ذلك ، لأن الملك حجة . وقوله : { فَبِأيّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذّبانِ } يقول تعالى ذكره : فبأيّ نعم ربكما تكذّبنان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم ، من التسوية بين جميعكم ، لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم تكذّبان .