Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-14)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات ، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله : انظرونا . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { انْظُرُونا } فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة { انْظُرُونا } موصولة بمعنى : انتظرونا ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة « أنْظُرُونا » مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى : أخرونا ، وذكر الفرّاء أن العرب تقول : أنظرني وهم يريدون : انتظرني قليلاً وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم : @ أبا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا وأنْظِرْنا نُخَبّرْكَ اليقِينَا @@ قال : فمعنى هذا : انتظرنا قليلاً نخبرك ، لأنه ليس ها هنا تأخير ، إنما هو استماع كقولك للرجل : اسمع مني حتى أخبرك . والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا ، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى ، فيقال : أنظرونا ، بفتح الألف وهمزها . وقوله : { نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } يقول : نستصبح من نوركم ، والقبس : الشعلة . وقوله : { قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُوراً } يقول جلّ ثناؤه : فيجابون بأن يقال لهم : ارجعوا من حيث جئتم ، واطلبوا لأنفسكم هنالك نوراً ، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ … } إلى قوله : { وَبِئْسَ المَصِيرُ } قال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة ، إذ بعث الله نوراً فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا ، تبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذٍ : انظرونا نقتبس من نوركم ، فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون : ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة ، فالتمسوا هنالك النور . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا … } الآية ، كان ابن عباس يقول : بينما الناس في ظلمة ، ثم ذكر نحوه . وقوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ } يقول تعالى ذكره : فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور ، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { بِسُورٍ لَهُ بَابٌ } قال : كالحجاب في الأعراف . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ } السور : حائط بين الجنة والنار . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ } قال : هذا السور الذي قال الله { وَبَيْنَهُما حِجابٌ } وقد قيل : إن ذلك السور ببيت المقدس عند وادي جهنم . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا الحسن بن بلال ، قال : ثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو سنان ، قال : كنت مع عليّ بن عبد الله بن عباس ، عند وادي جهنم ، فحدّث عن أبيه قال : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ } فقال : هذا موضع السور عند وادي جهنم . حدثني إبراهيم بن عطية بن رُدَيح بن عطية ، قال : ثني عمي محمد بن رُدَيح بن عطية ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن أبي العوّام ، عن عُبادة بن الصامت أنه كان يقول : { بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } ، قال : هذا باب الرحمة . حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عطية بن قيس ، عن أبي العوّام مؤذّنِ بيت المقدس ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إن السور الذي ذكره الله في القرآن : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ } هو السور الشرقيّ ، باطنه المسجد ، وظاهره وادي جهنم . حدثني محمد بن عوف ، قال : ثنا أبو المُغيرة ، قال : ثنا صفوان ، قال : ثنا شريج أن كعباً كان يقول في الباب الذي في بيت المقدس : إنه الباب الذي قال الله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ } . وقوله : { لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } يقول تعالى ذكره : لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب : يعني النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ } : أي النار . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } قال : الجنة وما فيها . وقوله : { يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى } يقول تعالى ذكره : ينادي المنافقون المؤمنين حين حُجز بينهم بالسور ، فبقوا في الظلمة والعذاب ، وصار المؤمنون في الجنة ، ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم ، ونناكحكم ونوارثكم ؟ قالوا : بلى ، يقول : قال المؤمنون : بلى ، بل كنتم كذلك ، ولكنكم فَتَنتم أنفسكم ، فنافقتم ، وفِتْنتهم أنفسَهم في هذا الموضع كانت النفاق . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { فَتَنْتُمْ أنْفُسَكُمْ } قال : النفاق ، وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ، ويغشَوْنهم ، ويعاشرونهم ، وكانوا معهم أمواتاً ، ويعطون النور جميعا يوم القيامة ، فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ، ويماز بينهم حينئذٍ . وقوله : { وَتَرَبَّصْتُمْ } يقول : وتلبثتم بالإيمان ، ودافعتم بالإقرار بالله ورسوله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَتَرَبَّصْتُمْ } قال : بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ { فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَتَرَبَّصْتُمْ } يقول : تربصوا بالحق وأهله وقوله : { وَارْتَبْتُمْ } يقول : وشككتم في توحيد الله ، وفي نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم . كما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَارْتَبْتُمْ } : شكوا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَارْتَبْتُمْ } كانوا في شكّ من الله . وقوله : { وَغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ } يقول : وخدعتكم أمانيّ نفوسكم ، فصدتكم عن سبيل الله وأضلتكم { حتى جاءَ أمْرُ اللّهِ } يقول : حتى جاء قضاء الله بمناياكم ، فاجتاحتكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حتى جاءَ أمْرُ اللّهِ } كانوا على خُدعة من الشيطان ، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار . وقوله : { وَغَرَّكُمْ باللّهِ الغَرُورُ } يقول : وخدعكم بالله الشيطان ، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته ، والسلامة من عذابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { الغَرُورُ } : أي الشيطان . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَغَرَّكُمْ باللّهِ الغَرُورُ } : أي الشيطان . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَغَرَّكُمْ باللّهِ الغَرُورِ } : الشيطان .