Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، خافوا الله بأداء طاعته ، واجتناب معاصيه ، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم . كما : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرُسُولِهِ } يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ } يعني : الذين آمنوا من أهل الكتاب . وقوله : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } يُعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم حين بعث نبياً . وأصل الكِفل : الحظّ ، وأصله : ما يكتفل به الراكبُ ، فيحبسه ويحفظه عن السقوط يقول : يُحَصِّنكم هذا الكِفْل من العذاب ، كما يُحَصِّن الكِفْل الراكب من السقوط . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو عمار المَرْوَزِيّ ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } قال : أجرين ، لإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل ، وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم به . قال : ثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } قال : أجْرَين : إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، والتوراة والإنجيل . وبه عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس وهارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } قال : أجرين . حدثنا عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } يقول : ضعفين . قال : ثنا مهران ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشيّ يدعوه ، فقدم عليه ، فدعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان انصرافه ، قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته ، وهم أربعون رجلاً : ائذن لنا ، فنأتي هذا النبيّ ، فنسلم به ، ونساعد هؤلاء في البحر ، فإنَّا أعلم بالبحر منهم ، فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تهيأ النبيّ صلى الله عليه وسلم لوقعة أُحُدُ فلما رأوا ما بالمسلمين من الخَصاصة وشدّة الحال ، استأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا نبيّ الله إن لنا أموالاً ، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة ، فإن أذِنت لنا انصرفنا ، فجئنا بأموالنا ، وواسينا المسلمين بها . فَأَذنَ لهم ، فانصرفوا ، فأتوا بأموالهم ، فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم { الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } فكانت النفقة التي واسَوْا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بقوله : { يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } فَخَروا على المسلمين ، فقالوا : يا معشر المسلمين ، أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ، فما فضلكم علينا ، فأنزل الله { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } فجعل لهم أجرهم ، وزادهم النورَ والمغفرة ، ثم قال : { لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ } وهكذا قرأها سعيد بن جُبَير { لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ } حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْن مِنْ رَحَمَتِهِ } قال : ضعفين . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } قال والكفلان أجران بإيمانهم الأوّل ، وبالكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ } يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب { يُؤْتِكُم كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } يقول : أجرين بإيمانكم بالكتاب الأوّل ، والذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ } قال : أجرين : أجر الدنيا ، وأجر الآخرة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا حكام ، عن سفيان ، قال : ثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن أبي موسى { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } قال : الكفلان : ضعفان من الأجر بلسان الحَبَشة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الشعبيّ ، قال : إن الناس يوم القيامة على أربع منازل : رجل كان مؤمناً بعيسى ، فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجران . ورجل كان كافراً بعيسى ، فأمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجر . ورجل كان كافراً بعيسى ، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فباء بغضب على غضب . ورجل كان كافراً بعيسى من مشركي العرب ، فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب . حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرني أبي ، قال : سألت سعيد بن عبد العزيز ، عن الكفل كم هو ؟ قال : ثلاث مئة وخمسون حسنة ، والكفلان : سبع مئة حسنة . قال سعيد : سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حبراً من أحبار اليهود : كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة ؟ قال : كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة قال : فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين ، ثم ذكر سعيد قول الله عزّ وجل في سورة الحديد { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } فقلت له : الكفلان في الجمعة مثل هذا ؟ قال : نعم . وبنحو الذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا معمر بن راشد ، عن فراس ، عن الشعبيّ ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْن : رَجُلٌ آمَنَ بالكِتابِ الأوَّلِ والكِتابِ الآخِرِ ، وَرَجُلٌ كانَت لَهُ أمَّةٌ فأدَّبَها وأحْسَنَ تَأدِيبَهَا ، ثُمَّ أعْتَقَها فَتزَوَّجَها ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أحْسَنَ عِبادَةَ رَبِّهِ ، وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ " . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، قال : ثني صالح بن صالح الهمداني ، عن عامر ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي موسى ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، عن صالح بن صالح ، سمع الشعبيّ يحدّث ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . حدثني محمد بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا إسحاق بن الفرات ، عن يحيى بن أيوب ، قال : قال يحيى بن سعيد أخبرنا نافع ، أن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّمَا آجالُكُم فِي آجالِ مَن خَلا مِنَ الأُمَم ، كمَا بَينَ صَلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْس ، وإنما مَثَلُكُم وَمَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارَى كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتأجَرَ عُمَّالاً ، فَقالَ : مَن يَعْمَل مِن بُكْرَةٍ إلى نِصفِ النَّهارِ على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ألا فَعَمِلَت اليَهُودُ ثُمَّ قالَ : مَن يَعْمَلُ مِنْ نِصفِ النَّهارِ إلى صَلاةِ العَصْر على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ألا فَعَمِلَتِ النَّصَارَى ثُمَّ قالَ : مَن يعْمَل مِن صَلاةِ العَصْر إلى مَغارِبِ الشَّمْس على قِيرَاطَيْن قِيرَاطَيْن ، ألا فَعَمِلْتُم " حدثني عليّ بن سهل ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ هَذهِ الأُمَّةِ " أو قال " أُمَّتِي وَمَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارَى ، كمَثَلِ رَجُلٍ قالَ : مَنْ يَعْمَلُ لي مِن غَدوَةٍ إلى نِصْفِ النَّهارِ على قِيرَاط " قالَتِ اليَهودُ : نَحْنُ ، فَعَملُوا قال : " فَمَن يَعْمَلُ مِن نِصفِ النَّهارِ إلى صَلاة العَصْر على قِيرَاطٍ ؟ " قالَتِ النَّصَارَى : نَحْنُ ، فَعَمِلُوا ، " وأنْتُم المُسْلِمُونَ تَعْمَلُونَ مِن صَلاةِ العَصْر إلى اللَّيْلِ على قِيرَاطَيْن " فَغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصَارَى وقالُوا : نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً ، وأقَلُّ أجْراً ، قالَ " هَل ظَلَمْتُكُمْ مِن أُجُورِكُمْ شَيْئاً ؟ " قالُوا : لا ، قال : " فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أشاءُ " » . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث وابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أُمامة الباهليّ ، أنه قال : شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع ، فقال قولاً كثيراً حسناً جميلاً ، وكان فيها : " مَن أسْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ فَلَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا وَمَن أسْلَمَ مِنَ المُشْركينَ فَلَهُ أجْرُهُ ، وَلَهُ مِثْلُ الذِي لَنا ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنا " . وقوله : { ويَجْعَلْ لَكُم نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به القرآن . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو عمار المروزي ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { ويَجْعَل لَكُم نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } قال : الفرقان واتباعهم النبيّ صلى الله عليه وسلم . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { ويَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } قال : الفرقان ، واتباعهم النبيّ صلى الله عليه وسلم . حدثنا أبو كُرَيب ، وأبو هشام ، قالا : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { ويَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } قال : القرآن . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد ، مثله . وقال آخرون : عُنِي بالنور في هذا الموضع : الهدى . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { تَمْشُونَ بِهِ } قال : هدى . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نوراً يمشون به ، والقرآن ، مع اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لمن آمن بهما وصدّقهما وهدى ، لأن من آمن بذلك ، فقد اهتدى . وقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } يقول : ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يقول تعالى ذكره : والله ذو مغفرة ورحمة .