Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 3-4)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : { هو الأوّل } قبل كل شيء بغير حدّ { والآخر } يقول : والآخر بعد كل شيء بغير نهاية . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنه كان ولا شيء موجود سواه ، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها ، كما قال جلّ ثناؤه : { كُلُّ شَيْءٍ هالكٌ إلاَّ وَجْهَهُ } وقوله : { والظَّاهِرُ } يقول : وهو الظاهر عل كل شيء دونه ، وهو العالي فوق كل شيء ، فلا شيء أعلى منه { والباطِنُ } يقول : وهو الباطن جميع الأشياء ، فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : { وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ } وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ، والخبر الذي روي فيه : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والباطِنُ } ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه ، إذ ثار عليهم سحاب ، فقال : " هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنَّها الرَّقِيعَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، " قال : " فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها " قالوا : الله ورسوله أعلم ؟ قال : " مَسِيرَةُ خَمْسٍ مِئَةِ سَنَةٍ " قال : " فَهَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ ؟ " فقالوا مثل ذلك ، قال : " فَوْقَها سَماءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُما مَسِيرِةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ " قال : " هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلك ؟ " فقالوا مثل قولهم الأوّل ، قال : " فإنَّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السَّماءِ السَّابِعَةِ مِثْلُ ما بَينَ السَّماءَيْن " قال : " هَلْ تَدْرُونَ ما الَّتِي تَحْتَكُمْ ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم قال : " فإنَّها الأرْضُ " قال : " فَهَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَها ؟ " قالوا له مثل قولهم الأوّل ، قال : " فإنَّ تَحْتَها أرْضاً أُخْرَى ، وَبَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ " حتى عدّ سبع أرضين ، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة ، ثم قال : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ دُلِّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأُخْرى لَهَبَطَ على اللّهِ " ثُمَّ قرأ { هُوَ الأوَّلُ والآخَرُ والظَّاهِرُ والباطِنُ وَهُوْ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . وقوله : { وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يقول تعالى ذكره : وهو بكلّ شيء ذو علم ، لا يخفى عليه شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، إلا في كتاب مبين . وقوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامِ } يقول تعالى ذكره : هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين ، فدبرهنّ وما فيهنّ ، ثم استوى على عرشه ، فارتفع عليه وعلا . وقوله : { يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها } يقول تعالى ذكره مخبراً عن صفته ، وأنه لا يخفى عليه خافية من خلقه { يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأرْضِ } من خلقه . يعني بقوله : { يَلِجُ } : يدخل { وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ } إلى الأرض من شيء قطّ { وَما يَعْرُجُ فِيها } فيصعد إليها من الأرض { وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَما كُنْتُمْ } يقول : وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ، ويعلم أعمالكم ، ومتقلبكم ومثواكم ، وهو على عرشه فوق سمواته السبع { وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } يقول : والله بأعمالكم التي تعملونها من حسن وسيىء ، وطاعة ومعصية ، ذو بصر ، وهو لها محص ، ليجازي المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته { يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }