Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 17-18)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : فكان عُقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه ، فكفر بالله أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبداً { وَذَلكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } يقول : وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة ، وكلُّ كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به أنهم في النار مخلَّدون . واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : { خالِدَيْنِ فِيها } فقال بعض نحويي البصرة : نصب على الحال ، وفي النار خبر قال : ولو كان في الكلام لكان الرفع أجود في « خالدين » قال : وليس قولهم : إذا جئت مرّتين فهو نصب لشيء ، إنما فيها توكيد جئت بها أو لم تجىء بها فهو سواء ، إلا أن العرب كثيراً ما تجعله حالاً إذا كان فيها للتوكيد وما أشبهه في غير مكان قال : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها } وقال بعض نحويي الكوفة : في قراءة عبد الله بن مسعود : « فَكَانَ عاقِبَتَهُمَا أنَّهُما في النَّارِ خالِدَيْنِ في النَّارِ » قال : وفي أنهما في النار خالدين فيها نصب قال : ولا أشتهي الرفع وإن كان يجوز ، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت ، فهذا من ذلك قال : ومثله في الكلام قولك : مررت برجل على نابِه متحملاً به ومثله قول الشاعر : @ والزَّعْفَرَانُ عَلى تَرائِبها شَرِقاً بِهِ اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ @@ لأن الترائب هي اللبات ههنا ، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه ، فإذا اختلفت الصفتان جاز الرفع والنصب على حُسْن ، من ذلك قولك : عبد الله في الدار راغب فيك ، ألا ترى أن « في » التي في الدار مخالفة لفي التي تكون في الرغبة قال : والحجة ما يُعرف به النصف من الرفع أن لا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى ألا ترى أنك تقول : هذا أخوك في يده درهم قابضاً عليه ، فلو قلت : هذا أخوك قابضاً عليه في يده درهم لم يجز ، إلا ترى أنك تقول : هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم ، فهذا يدل على أن المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر ، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر . وقوله { يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ } يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ووحدوه ، اتقوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . وقوله { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ } يقول : ولينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال ، أمن الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ } : ما زال ربكم يقرّب الساعة حتى جعلها كغد ، وغدٌ يوم القيامة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ما قَدَّمتْ لِغَدٍ } يعني يوم القيامة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ما قَدَّمتْ لِغَد } يعني يوم القيامة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ } يعني يوم القيامة الخير والشرّ قال : والأمس في الدنيا ، وغدٌ في الآخرة ، وقرأ : { كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ } قال : كأن لم تكن في الدنيا . وقوله : { وَاتَّقُوا الله } يقول : وخافوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه { إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بأعمالكم خيرها وشرّها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم على جميعها .