Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 15-16)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم من إحلال عقوبته بهم { كَمَثلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يقول : كشبههم . واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم ، فقال بعضم : عني بذلك بنو قَيْنُقاع . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قوله { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يعني بني قَيْنُقاع . وقال آخرون : عُني بذلك مشركو قريش ببدر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمر ، قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ } قال : كفار قريش . وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذين أهلكهم بسخطه ، وأمر بني قينقاعٍ ووقعة بدر ، كانا قبل جلاء بني النضير ، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم ، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضاً في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض ، وكلّ ذائق وبال أمره ، فمن قربت مدته منهم قبلهم ، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل . وقوله : { ذَاقُو وَبالَ أمْرِهِمْ } يقول : نالهم عقاب الله على كفرهم به . وقوله : { وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يقول : ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم ، يعني : موجع . وقوله : { كَمَثلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبّ العَالمِينَ } يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة ، إن قوتلوا ، أو الخروج معهم إن أُخرجوا ، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد ، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم ، وإلى نُصرتهم إياهم ، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْساناً ، ووعده على اتباعه وكفره بالله ، النصرة عند الحاجة إليه ، فكفر بالله واتبعه وأطاعه ، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه ، وقال له : { إني أخاف الله ربّ العالمين } في نُصرتك . وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه { إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ } هو إنسان بعينه ، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك إنسان بعينه . ذكر من قال ذلك : حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : ثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عبد الله بن نهيك ، قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : إن راهباً تعبَّد ستين سنة ، وإن الشيطان أرداه فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنها ، ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القسّ فيداويها ، فجاءوا بها ، قال : فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك ، اسجد لي سجدة ، فسجد له فلما سجد له قال : إني بريء منك إني أخاف الله ربّ العالمين فذلك قوله : { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ } . حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ } قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب ، قال : فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان ، فقال له اقتلها ثم ادفعها ، فإنك رجل مصدّق يسمع كلامك ، فقتلها ثم دفنها قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلما أحبلها قتلها ، ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا ، بل قُصَّها علينا قال : فقصها ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك قالوا : فما هذا إلا لشيء ، فانطلقوا فاستعدَوْا مَلِكَهُم على ذلك الراهب ، فأتَوه فأنزلوه ، ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه قال : فسجد له فلما أَتَوا به ملكَهم تبرأ منه ، وأُخِذ فقتل . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ } … إلى { وَذَلكَ جزاءُ الظَّالِمِينَ } قال عبد الله بن عباس : كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته ، وكان يُؤتى من كلّ أرض فيُسئل عن الفقه ، وكان عالماً ، وإن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن الناس ، وإنهم أرادوا أن يسافروا ، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها فقال أحدهم : أدلكم على من تتركونها عنده ؟ قالوا : من هو ؟ قال : راهب بني إسرائيل ، إن ماتت قام عليها . وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه فعمدوا إليه فقالوا : إنا نريد السفر ، ولا نجد أحداً أوثق في أنفسنا ، ولا أحفظ لما وُلِّيَ منك لما جعل عندك ، فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك فإنها ضائعة شديدة الوجع ، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع ، فقال : أكفيكم إن شاء الله فانطلقوا فقام عليها فداواها حتى بَرَأت ، وعاد إليها حسنها ، فاطلع إليها فوجدها متصنعة ، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها ، فحملت ، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها قال : إن لم تقتلها افتضحت وعرف شبهك في الولد ، فلم يكن لك معذرة ، فلم يزل به حتى قتلها ، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت ؟ قال : ماتت فدفنتها ، قالوا : قد أحسنت ، ثم جعلوا يرون في المنام ، ويخبرون أن الراهب هو قتلها ، وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه ، فقال له الشيطان : أنا زيَّنت لك الزنا وقتلها بعد الزنا ، فهل لك أن أنجيك ؟ قال : نعم ، قال : أفتطيعني ؟ قال : نعم قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له ثم قتل ، فذلك قوله { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ } الآية . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كان رجل من بني إسرائيل عابداً ، وكان ربما داوى المجانين ، فكانت امرأة جميلة ، فأخذها الجنون ، فجيء بها إليه ، فتركت عنده ، فأعجبته ، فوقع عليها فحملت ، فجاءه الشيطان فقال : إن عُلم بهذا افتضحت ، فاقتلها وادفنها في بيتك ، فقتلها ودفنها ، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه ، فقال : ماتت ، فلم يتهموه لصلاحه فيهم ، فجاءهم الشيطان فقال : إنها لم تمت ، ولكنه وقع عليها فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا ، فجاء أهلها ، فقالوا : ما نتهمك ، فأخبرنا أين دفنتها ، ومن كان معك ، فوجدوها حيث دفنها ، فأُخذ وسُجن ، فجاءه الشيطان فقال : إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فتخرج منه ، فاكفر بالله ، فأطاع الشيطان ، وكفر بالله ، فأُخذ وقتل ، فتبرأ الشيطان منه حينئذ . قال : فما أعلم هذه الآية إلا نزلت فيه { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ } . وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الناس كلهم ، وقالوا : إنما هذا مثل ضُرِب للنضير في غرور المنافقين إياهم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ } عامَّة الناس .