Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى } الذي ردّ الله عزّ وجلّ على رسوله من أموال مشركي القرى . واختلف أهل العلم في الذي عني بهذه الآية من الألوان ، فقال بعضهم : عني بذلك الجزية والخراج . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : { إنَّمَا الصَّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالمَساكِينِ } حتى بلغ { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قال : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأنَّ لِلَّهِ خُمْسَهُ وللرَّسُول وَلِذِي القُرْبَى … } الآية ، ثم قال : هذه الآية لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى } حتى بلغ { للْفُقَراءِ والَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ والَّذِينَ جاءوا مِنْ بَعْدِهُمْ } ثم قال : استوعبت هذه الآية المسلمين عامة ، فليس أحد إلا له حق ، ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حُمُرَه نصيبُه ، لم يعرق فيها جبينه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : ثنا معمر في قوله : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى } حتى بلغني أنها الجزية ، والخراج : خَراج أهل القرى . وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي يصيبها المسلمون من عدوّهم من أهل الحرب بالقتال عنوة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة ، { فَلِلَّهِ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْلا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولَ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْه فانْتَهُوا } قال : هذا قسم آخر فِيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه . وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب ، وأخذت بالغلبة ، وقالوا كانت الغنائم في بدوّ الإسلام لهؤلاء الذين سماهم الله في هذه الآيات دون المرجفين عليها ، ثم نسخ ذلك بالآية التي في سورة الأنفال . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال ، فقال : { وَاعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر ، وكانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس ، فخمس لله وللرسول ، وخمس لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، وخمس لابن السبيل فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذين السهمين : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسهم قرابته ، فحملا عليه في سبيل الله صدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : عني بذلك : ما صالح عليه أهل الحرب المسلمين من أموالهم ، وقالوا قوله { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وللرَّسُولِ } … الآيات ، بيان قسم المال الذي ذكره الله في الآية التي قبل هذه الآية ، وذلك قوله : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِه مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكاب } وهذا قول كان يقوله بعض المتفقهة من المتأخرين . والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها ، وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عزّ وجلّ لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره ، لم يجعل فيه لأحد نصيباً ، وبذلك جاء الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فدخلت عليه ، فقال : إنه قد حضر أهل أبيات من قومك وإنا قد أمرنا لهم برضخ ، فاقسمه بينهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري ، قال : اقبضه أيها المرء فبينا أنا كذلك ، إذ جاء يرفأ مولاه ، فقال : عبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وعثمان ، وسعد يستأذنون ، فقال : ائذن لهم ثم مكث ساعة ، ثم جاء فقال : هذا عليّ والعباس يستأذنان ، فقال : ائذن لهما فلما دخل العباس قال : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الغادر الخائن الفاجر ، وهما جاءا يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أعمال بني النضير ، فقال القوم : اقض بينهما يا أمير المؤمنين ، وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه ، فقد طالت خصومتهما ، فقال : أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السموات والأرض ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نُورَثُ ما تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ " قالوا : قد قال ذلك ثم قال لهما : أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالا : نعم قال : فسأخبركم بهذا الفيء إن الله خصّ نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعطه غيره ، فقال : { وَما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكاب } فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، فوالله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها دونكم ، ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منه سنتهم ، ثم يجعل ما بقي في مال الله . فإذَا كانت هذه الآية التي قبلها مضت ، وذكر المال الذي خصّ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لأحد معه شيئاً ، وكانت هذه الآية خبراً عن المال الذي جعله الله لأصناف شتى ، كان معلوماً بذلك أن المال الذي جعله لأصناف من خلقه غير المال الذي جعله للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، ولم يجعل له شريكاً . وقوله : { وَلِذي القُرْبى } يقول : ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب واليتامى ، وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا مال لهم والمساكين : وهم الجامعون فاقة وذلّ المسئلة وابن السبيل : وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عزّ وجلّ . وقد ذكرنا الرواية التي جاءت عن أهل التأويل بتأويل ذلك فيما مضى من كتابنا . وقوله : { كَيْلا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ } يقول جلّ ثناؤه . وجعلنا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى لهذه الأصناف ، كيلا يكون ذلك الفيء دُولة يتداوله الأغنياء منكم بينهم ، يصرفه هذا مرّة في حاجات نفسه ، وهذا مرّة في أبواب البرّ وسُبُل الخير ، فيجعلون ذلك حيث شاءوا ، ولكننا سننا فيه سنة لا تُغير ولا تُبدّل . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء { كَيْلا يَكُونَ دُولَةً } نصباً على ما وصفت من المعنى ، وأن في يكون ذكر الفيء . وقوله : { دُولَةً } نصب خبر يكون ، وقر ذلك أبو جعفر القارىء : « كَيْلا يَكُونَ دُولَةٌ » على رفع الدولة مرفوعة بيكون ، والخبر قوله : { بين الأغنياء منكم } وبضمّ الدال من { دُولة } قرأ جميع قرّاء الأمصار ، غير أنه حُكي عن أبي عبد الرحمن الفتح فيها . وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، إذا ضمت الدال أو فُتحت ، فقال بعض الكوفيين : معنى ذلك : إذا فتحت الدولة وتكون للجيش يهزم هذا هذا ، ثم يهزم الهازم ، فيقال : قد رجعت الدولة على هؤلاء قال : والدولة برفع الدال في الملك والسنين التي تغير وتبدّل على الدهر ، فتلك الدولة والدول . وقال بعضهم : فرق ما بين الضمّ والفتح أن الدولة : هي اسم الشيء الذي يتداول بعينه ، والدولة الفعل . والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك : { كَيْلا يَكْونَ } بالياء { دُولَةً } بضم الدال ونصب الدولة على المعنى الذي ذكرت في ذلك لإجماع الحجة عليه ، والفرق بين الدُّولة والدَّولة بضم الدال وفتحها ما ذكرت عن الكوفيّ في ذلك . وقوله : { وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } يقول تعالى ذكره : وما أعطاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء عليه من أهل القرى فخذوه { وَما نهاكُمْ عَنْهُ } من الغَلول وغيره من الأمور { فانْتَهُوا } وكان بعض أهل العلم يقول نحو قولنا في ذلك غير أنه كان يوجه معنى قوله { وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فخُذُوهُ } إلى ما آتاكم من الغنائم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا } قال : يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول . وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ } يقول : وخافوا الله ، واحذروا عقابه في خلافكم على رسوله بالتقدّم على ما نهاكم عنه ، ومعصيتكم إياه { إنَّ الله شَدِيدُ العِقابِ } يقول : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله صلى الله عليه وسلم .