Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 111-111)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ايئس من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام . القائلين لك : لئن جئتنا بآية لنؤمننّ لك ، فإننا لو { نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ } حتى يروها عياناً { وكَلَّمَهُمُ المَوْتَى } بإحيائنا إياهم ، حجة لك ودلالة على نبوّتك ، وأخبروهم أنك محقّ فيما تقول ، وأن ما جئتهم به حقّ من عند الله ، { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ } فجعلناهم لك { قُبُلاً } ما آمنوا ولا صدّقوك ، ولا اتبعوك { إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ } ذلك لمن شاء منهم . { وَلَكِنَّ أكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } يقول : ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك ، يحسبون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم ، متى شاءوا آمنوا ومتى شاءوا كفروا . وليس ذلك كذلك ، ذلك بيدي ، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته ، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته . وقيل : إن ذلك نزل في المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند الله ، من مشركي قريش . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : نزلت في المستهزئين الذين سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم الآية ، فقال : قل يا محمد إنما الآيات عند الله ، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون . ونزل فيهم : { وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } . وقال آخرون : إنما قيل : { ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا } يراد به أهل الشقاء ، وقيل : { إلاَّ أنْ يَشَاءَ الله } فاستثنى ذلك من قوله : { لِيُؤْمِنُوا } يراد به أهل الإيمان والسعادة . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا } وهم أهل الشقاء . ثم قال : { إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ } وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس ، لأن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله : { ما كانُوا لِيُؤْمِنوا } القوم الذين تقدّم ذكرهم في قوله : { وأقْسَمُوا باللّهِ جَهْدَ أيمَانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها } . وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج : إنهم عنوا بهذه الآية ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك . والخبر من الله خارج مخرج العموم ، فالقول بأن ذلك عُني به أهل الشقاء منهم أولى لما وصفنا . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } فقرأته قرّاء أهل المدينة : « قِبَلاً » بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى معاينة ، من قول القائل : لقيته قِبَلاً : أي معاينة ومجاهرة . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين والبصريين : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } بضم القاف والباء . وإذا قرىء كذلك كان له من التأويل ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون القُبُل : جمع قَبِيل كالرُّغُف التي هي جمع رغيف ، والقُضُب التي هي جمع قضيب ، ويكون القُبُل : الضمناء والكفلاء وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وحشرنا عليهم كلّ شيء كفلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدُهم على إيمانهم بالله إن آمنوا أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم ، ما آمنوا إلا أن يشاء الله . والوجه الآخر : أن يكون « القُبُل » بمعنى المقابلة والمواجهة ، من قول القائل : أتيتك قُبُلاً لا دُبُراً ، إذا أتاه من قِبَل وجهه . والوجه الثالث : أن يكون معناه : وحشرنا عليهم كلّ شيء قبيلة قبيلة ، صنفاً صنفاً ، وجماعة جماعة . فيكون القُبُل حينئذٍ جمع قَبيل الذي هو جمع قبيلة ، فيكون القُبل جمع الجمع . وبكلّ ذلك قد قالت جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال : معنى ذلك : معاينة . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } يقول : معاينة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } حتى يعاينوا ذلك معاينة { ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ } . ذكر من قال : معنى ذلك : قبيلة قبيلة صنفاً صنفاً . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن يزيد ، من قرأ : { قُبُلاً } معناه : قبيلاً قبيلاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { قُبُلاً } أفواجاً ، قبيلاً قبيلاً . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، عن أبي خيثمة ، قال : ثنا أبان بن تغلب ، قال : ثني طلحة أن مجاهداً قرأ في الأنعام : { كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } قال : قبائل ، قبيلاً قبيلاً وقبيلاً . ذكر من قال : معناه : مقابلة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } يقول : لو استقبلهم ذلك كله ، لَمْ يُؤْمِنُوا إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } قال : حشروا إليهم جميعاً ، فقابلوهم وواجهوهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن يزيد ، قرأ عيسى : { قُبُلاً } ومعناه : عياناً . وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } بضمّ القاف والباء لما ذكرنا من احتمال ذلك الأوجه التي بينا من المعاني ، وأن معنى القِبَلِ داخل فيه ، وغير داخل في القِبَلِ معاني القُبُل . وأما قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ } فإن معناه : وجمعنا عليهم ، وسقنا إليهم .