Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 112-112)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسلِّيه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله ، وحاثًّا له على الصبر على ما نال فيه : { وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوًّا } يقول : وكما ابتليناك يا محمد بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطين { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ } ليصدّوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والإيمان بك وبما جئتهم به من عند ربك كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسل ، بأن جعلنا لهم أعداء من قومهم يؤذونهم بالجدال والخصومات ، يقول : فهذا الذي امتحنتك به لم تخصص به من بينهم وحدك ، بل قد عممتهم بذلك معك لأبتليهم وأختبرهم مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم ، فلم أفعل ذلك إلا لأعرف أولي العزم منهم من غيرهم يقول : فاصبر أنت كما صبر أولو العزم من الرسل . وأما شياطين الإنس والجنّ فإنهم مردتهم . وقد بيَّنا الفعل الذي منه بني هذا الاسم بما أغنى عن إعادته . ونصب العدوّ والشياطين بقوله : { جَعَلْنا } . وأما قوله : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً } فإنه يعني : أنه يُلقي الملقي منهم القول الذي زيّنه وحسنه بالباطل إلى صاحبه ، ليغترّ به من سمعه فيضل عن سبيل الله . ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله : { شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ } فقال بعضهم : معناه : شياطين الإنس التي مع الإنس ، وشياطين الجنّ التي مع الجنّ وليس للإنس شياطين . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ } أما شياطين الإنس : فالشياطين التي تضلّ الإنس ، وشياطين الجنّ الذين يضلون الجنّ يلتقيان فيقول كلّ واحد منهما : إني أضللت صاحبي بكذا وكذا ، وأضللت أنت صاحبك بكذا وكذا ، فيُعلم بعضُهم بعضاً . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو نعيم ، عن شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة : { شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ } قال : ليس في الإنس شياطين ولكن شياطين الجنّ يوحون إلى شياطين الإنس ، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجنّ . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا إسرائيل ، عن السديّ ، في قوله : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرَفَ القَوْلِ غُرُوراً } قال : للإنسان شيطان ، وللجنيّ شيطان ، فيَلْقَى شيطان الإنس شيطان الجنّ ، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً . قال أبو جعفر : جعل عكرمة والسديّ في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما عدوّ الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله : { وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً } أولاد إبليس دون أولاد آدم ، ودون الجنّ ، وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غروراً ، وِلْدَ إبليس ، وأن مَنْ مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى من مع الجنّ من ولده زخرف القول غروراً . وليس لهذا التأويل وجه مفهوم ، لأن الله جعل إبليس وولده أعداء ابن آدم ، فكلّ ولده لكلّ ولده عدوّ . وقد خصّ الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداء ، فلو كان معنيًّا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السديّ ، الذين هم ولد إبليس ، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبر عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداءً وجهٌ . وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه مثل الذي جعل لهم ، ولكن ذلك كالذي قلنا من أنه معنيّ به أنه جعل مردة الإنس والجنّ لكلّ نبيّ عدوّاً يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن حميد بن هلال ، قال : ثني رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذرّ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذرّ ، هَلْ تَعَوَّذْتَ باللّهِ مِنْ شَرّ شَياطِينِ الإنْسِ والجِنّ ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، هل للإنس من شياطين ؟ قال : « نَعَمْ » . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة ، عن ابن عائذ ، عن أبي ذرّ ، أنه قال : أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس ، قال : فقال : " يا أبا ذَرّ ، هَلْ صَلَّيْتَ ؟ " قال : قلت : لا يا رسول الله قال : " قُمْ فارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ " قال : ثم جئت فجلست إليه ، فقال : " يا أبا ذَر هَلْ تَعَوَّذْتَ بالله مِنْ شَرّ شَياطِين الإنْس والجِنّ ؟ " قال : قلت : يا رسول الله وهل للإنس من شياطين ؟ قال : " نَعَمْ ، شَرّ مِنْ شَياطِين الجِنّ " . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن أبا ذرّ قام يوماً يصلي ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : " تَعَوَّذْ يا أبا ذَرّ مِنْ شَياطِين الإنْس والجِنّ " فقال : يا رسول الله : أوَ إنّ من الإنس شياطين ؟ قال : « نعم » . وقال آخرون في ذلك بنحو الذي قلنا من ذلك إنه إخبار من الله أنَّ شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { شَياطِينَ الإنْس والجِنّ } قال : من الجنّ شياطين ، ومن الإنس شياطين يوحي بعضهم إلى بعض . قال قتادة : بلغني أن أبا ذرّ كان يوماً يصلي ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : " تَعَوَّذْ يا أبا ذَرّ مِنْ شَياطِين الإنْسِ والجِنّ " فقال : يا نبيّ الله ، أو إنّ من الإنس شياطين ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ " . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدوّاً شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ } … الآية ، ذكر لنا أبا ذرّ قام ذات يوم يصلي ، فقال له نبي الله : " تَعَوَّذْ بالله مِنْ شَياطِينَ الجِنّ والإنْس " فقال : يا نبيّ الله أو للإنس شياطين كشياطين الجنّ ؟ قال : " نَعَمْ ، أوَ كَذَبْتُ عَلَيْهِ ؟ " حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { وكذلكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدوّاً شَياطِينَ الإنْس والجِنّ } فقال : كفار الجنّ شياطين يوحون إلى شياطين الإنس كفار الإنس زخرف القول غروراً . وأما قوله : { زخْرفَ القَوْل غُروراً } فإنه المزين بالباطل كما وصفت قبل ، يقال منه : زخرف كلامه وشهادته إذا حسن ذلك بالباطل ووشّاه . كما : حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : ثنا أبو نعيم ، عن شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة ، قوله : { زخْرفَ القَوْل غُروراً } قال : تزيين الباطل بالألسنة . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : أما الزخرف ، فزخرفوه : زيَّنوهُ . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { زُخْرفَ القَوْل غُرُوراً } قال : تزيين الباطل بالألسنة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { زُخْرَفَ القَوْل غُرُوراً } يقول : حسَّن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { زُخْرُفَ القَوْل غُرُوراً } قال : الزخرف : المزيَّن ، حيث زيَّن لهم هذا الغرور ، كما زين إبليس لآدم ما جاءه به وقاسمه إنه لمن الناصحين . وقرأ : { وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ } قال : ذلك الزخرف . وأما الغرور : فإنه ما غرّ الإنسان فخدعه فصده عن الصواب إلى الخطأ ومن الحقّ إلى الباطل . وهو مصدر من قول القائل : غررت فلاناً بكذا وكذا ، فأنا أغرُّه غروراً وغرّاً . كالذي : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { غُرُوراً } قال : يغرّون به الناس والجنّ . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ } . يقول تعالى ذكره : ولو شئت يا محمد أن يؤمن الذين كانوا لأنبيائي أعداء من شياطين الإنس والجن فلا ينالهم مكرهم ويأمنوا غوائلهم وأذاهم ، فعلت ذلك ولكني لم أشأ ذلك لأبتلي بعضهم ببعض فيستحقّ كلّ فريق منهم ما سبق له في الكتاب السابق . { فَذَرْهُمْ } يقول : فدعهم ، يعني الشياطين الذين يجادلونك بالباطل من مشركي قومك ويخاصمونك بما يوحي إليهم أولياؤهم من شياطين الإنس والجنّ ، { وَما يَفْتَرُونَ } يعني : وما يختلقون من إفك وزور ، يقول له صلى الله عليه وسلم : " اصْبر عَلَيْهِمْ فإنّي مِنْ وَرَاءِ عِقابِهِمْ على افْتِرَائِهِمْ على اللّهِ وَاخْتِلاقِهِمْ عَلَيْهِ الكَذِبَ والزُّورَ " .