Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 121-121)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } : لا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه أنتم أو يذبحه موحد يدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزّل فإنه حرام عليكم ، ولا ما أهلّ به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم ، فإن أكْلَ ذلك فسق ، يعني : معصية كفر . فكنى بقوله : « وإنه » عن « الأكل » ، وإنما ذكر الفعل ، كما قال : { الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيماناً } يراد به : فزاد قولهم ذلك إيماناً ، فكنى عن القول ، وإنما جرى ذكره بفعل . { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ } : اختلف أهل التأويل في المعنّي بقوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْليائهمْ } فقال بعضهم : عنى بذلك : شياطين فارس ومن على دينهم من المجوس { إلى أوْلِيَائِهِمْ } من مَرَدِةِ مشركي قريش ، يوحون إليهم زخرف القول ، ليصل إلى نبيّ الله وأصحابه في أكل الميتة . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ، قال : ثنا موسى بن عبد العزيز القنباري ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، لما نزلت هذه الآية بتحريم الميتة ، قال : أوحت فارس إلى أوليائها من قريش أن خاصِموا محمداً - وكانت أولياءهم في الجاهلية - وقولوا له : إن ما ذبحت فهو حلال ، وما ذبح الله قال ابن عباس : بشمشار من ذهب فهو حرام ، فأنزل الله هذه الآية : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ } قال : الشياطين : فارس ، وأولياؤهم : قريش . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عمرو بن دينار ، عن عكرمة : أن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم ، وكاتبتهم فارس ، وكتبت فارس إلى مشركي قريش أن محمداً وأصحابه يزعمون أنه يتبعون أمر الله ، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه للميتة وأما ما ذبحوا هم يأكلون . وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فنزلت : { وَإنَّهُ لَفِسْقٌ وَإنَّ الشَّياطِينَ ليَوُحُونَ } … الآية ، ونزلت : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً } وقال آخرون : إنما عني بالشياطين الذين يغرون بني آدم أنهم أوحوا إلى أوليائهم من قريش . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرمة ، قال : كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس : كيف تعبدون شيئاً لا تأكلون مما قتل ، وتأكلون أنتم ما قتلتم ؟ فرُوي الحديث حتى بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { وَلا تأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ } قال : إبليس الذي يوحي إلى مشركي قريش . قال ابن جريج عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قال : شياطين الجنّ يوحون إلى شياطين الإنس ، يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم . قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، قال : سمعت أن الشياطين يوحون إلى أهل الشرك يأمرونهم أن يقولوا : ما الذي يموت وما الذي تذبحون إلا سواء يأمرونهم أن يخاصموا بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم ، { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } قال : قول المشركين : أما ما ذبح الله للميتة فلا تأكلون ، وأما ما ذبحتم بأيديكم فحلال . حدثنا محمد بن عمار الرازي ، قال : ثنا سعيد بن سليمان ، قال : ثنا شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين : ما قتل ربكم فلا تأكلون ، وما قتلتم أنتم تأكلونه فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما حرّم الله الميتة أمر الشيطانُ أولياءه ، فقال لهم : ما قتل الله لكم خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم ، فقال الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : جادل المشركون المسلمين ، فقالوا : ما بال ما قتل الله لا تأكلونه وما قتلتم أنتم أكلتموه ، وأنتم تتبعون أمر الله فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ } … إلى آخر الآية . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ } يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه ، وما ذبحتم أنتم فكلوه فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : أن ناساً من المشركين دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها ؟ فقال : « اللّهُ قَتَلَها » . قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنتَ وأصحابُك حلال ، وما قتله الله حرام ؟ فأنزل الله : { وَلا تأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرميّ : أن ناساً من المشركين ، قالوا : أما ما قتل الصقر والكلب فتأكلونه ، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه ! حدثنا المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بآياته مؤمِنِينَ } قال : قالوا : يا محمد ، أما ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه ، وأما ما قتل ربكم فتحرّمونه فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ } وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه ، إنكم إذن لمشركون . حدثنا المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : قال المشركون : ما قتلتم فتأكلونه ، وما قتل ربكم لا تأكلونه فنزلت : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ } قول المشركين : أما ما ذَبَحَ الله للميتة فلا تأكلون منه ، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ } قال : جادلهم المشركون في الذبيحة ، فقالوا : أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه ، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه يعنون : الميتة . فكانت هذه مجادلتهم إياهم . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تَأْكُلُوا ممَّا لَمْ يُذكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّه لَفِسْقٌ } … الآية ، يعني : عدوّ الله إبليس ، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة ، فقال لهم : خاصموا أصحاب محمد في الميتة ، فقولوا : أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون ، وأما ما قتل الله فلا تأكلون ، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمر الله فأنزل الله على نبيه : { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ } وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث : أن يدعو مع الله إلها آخر ، أو يُسجد لغير الله ، أو يُسمّي الذبائحَ لغير الله . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } إن المشركين قالوا للمسلمين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله ، وما ذبح الله فلا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم أكلتموه ؟ فقال الله : { لَئِنْ أطَعْتُمُوهُمْ } فأكلتم الميتة { إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ } . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ } قال : كانوا يقولون : ما ذُكِرَ الله عليه وما ذبحتم فكلوا فنزلت : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } … إلى قوله : { لِيُجادِلُوكُمْ } قال : يقول : يوحي الشياطين إلى أوليائهم : تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون مما قتل الله ؟ فقال : إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه ، وإن الذي مات لم يذكر اسم عليه . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ } هذا في شأن الذبيحة ، قال : قال المشركون للمسلمين : تزعمون أن الله حرّم عليكم الميتة ، وأحلّ لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم ، وحرّم عليكم ما ذبح هو لكم وكيف هذا وأنتم تعبدونه ؟ فأنزل الله هذه الآية : { وَلا تأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } … إلى قوله : { المُشْرِكُونَ } . وقال آخرون : كان الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قوماً من اليهود . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وكيع ، قالا : ثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال ابن عبد الأعلى : خاصمت اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال ابن وكيع : جاءت اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل ما قتلنا ، ولا نأكل ما قتل الله فأنزل الله : { وَلا تأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ } . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله أخبر أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة بما ذكرنا من جدالهم إياهم . وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم ، وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس ، وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك ، كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها : { وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً } بل ذلك الأغلب من تأويله عندي ، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجنّ والإنس ، كما جعل لأنبيائه مِن قبله يوحي بعضهم إلى بعض المزيَّنَ من الأقوال الباطلة ، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرّم الله من الميتة عليهم . واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه ، فقال بعضهم : هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ، قالا : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : ما قوله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } قال : يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح . قلت لعطاء : فما قوله : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } ؟ قال : ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان كانت تذبحها العرب وقريش . وقال آخرون : هي الميتة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لِمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهُ عَلَيْهِ } قال : الميتة . وقال آخرون : بل عنى بذلك كلَّ ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن حميد بن يزيد ، قال : سئل الحسن ، سأله رجل قال له : أتيت بطير كذا ، فمنه ما ذبح ، فذكر اسم الله عليه ، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه واختلط الطير ، فقال الحسن : كلْه كلَّه قال : وسألت محمد بن سيرين ، فقال : قال الله : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج ، قال : ثنا حماد ، عن أيوب وهشام ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الله يزيد الخطميّ ، قال : كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين ، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، عن عبد الله بن يزيد ، قال : كنت أجلس إليه في حلقة ، فكان يجلس فيها ناس من الأنصار هو رأسهم ، فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون . قال : فجاءه رجل فسأله ، فقال : رجل ذبح فنسي أن يسمي ؟ فتلا هذه الآية : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } حتى فرغ منها . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عنى بذلك : ما ذبح للأصنام والآلهة ، وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته . وأما من قال : عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله ، فقول بعيد من الصواب لشذوذه ، وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله ، وكفى بذلك شاهداً على فساده . وقد بيَّنا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى « لطيف القول في أحكام شرائع الدين » فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وأما قوله { لَفِسقٌ } فإنه يعني : وإنّ أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهلّ به لغير الله لفسق . واختلف أهل التأويل في معنى الفسق في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : المعصية . فتأويل الكلام على هذا : وإنَّ أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَإنَّهُ لَفِسْقٌ } قال : الفسق : المعصية . وقال آخرون : معنى ذلك : الكفر . وأما قوله : { وَإنَّ الشيَّاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ } فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعنيِّ بقوله : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ } . والصواب من القول فيه . وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم ، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه ، إما بقول ، وإما برسالة ، وإما بكتاب . وقد بيَّنا معنى الوحي فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا عكرمة ، عن أبي زميل ، قال : كنت قاعداً عند ابن عباس ، فجاءه رجل من أصحابه ، فقال : يا أبا عباس ، زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة يعني المختار بن أبي عبيد فقال ابن عباس : صدق فنفرت فقلت : يقول ابن عباس صدق ؟ فقال ابن عباس : هما وحيان : وحي الله ، ووحي الشيطان فوحي الله إلى محمد ، ووحي الشياطين إلى أوليائهم . ثم قال : { وَإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ } . وأما الأولياء : فهم النصراء والظهراء في هذا الموضع . ويعني بقوله : { لِيُجادِلُوكُمْ } ليخاصموكم ، بالمعنى الذي قد ذكرت قبل . وأما قوله : { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } فإنه يعني : وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ } يقول : وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ } فأكلتم الميتة . وأما قوله : { إنَّكُمْ لَمُشْركُونَ } يعني : إنكم إذاً مثلهم ، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً ، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين . واختلف أهل العلم في هذه الآية : هل نسخ من حكمها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء وهي محكمة فيما عُنيت به ، وعلى هذا قول عامة أهل العلم . ورُوى عن الحسن البصري وعكرمة ، ما : حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصريّ قالا : قال : { فَكُلُوا ممَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ } فنسخ واستثنى من ذلك ، فقال : { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ } والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت لم ينسخ منها شيء ، وأن طعام أهل الكتاب حلال وذبائحهم ذكية . وذلك مما حرّم الله على المؤمنين أكله بقوله : { وَلا تأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } بمعزل ، لأن الله إنما حرّم علينا بهذه الآية الميتة وما أهلّ به للطواغيت ، وذبائح أهل الكتاب ذكية سَمّوْا عليها أو لم يسموا لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله يدينون بأحكامها ، يذبحون الذبائح بأديانهم كما ذبح المسلم بدينه ، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه ، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل ، أو بعبادة شيء سوى الله ، فيحرم حينئذٍ أكل ذبيحته سمى الله عليها أو لم يسمّ .