Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 139-139)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله : { ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ } فقال بعضهم : عنى بذلك اللبن . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : { وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنَا } قال : اللبن . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس مثله . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الأنْعام خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا } ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء ، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { خالِصَةٌ لِذكُورنا ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا } قال : ما فِي بُطون البحائر : يعني ألبانها ، كانوا يجعلونه للرجال دون النساء . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا ، عن عامر ، قال : البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال ، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورنا } … الآية ، فهو اللبن كانوا يحرّمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه وكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركب فلم تذبح ، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء . فنهى الله عن ذلك . وقال آخرون : بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورنا ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ } فهذه الأنعام ما ولد منها من حيّ فهو خالص للرجال دون النساء وأما ما ولد من ميت فيأكله الرجال والنساء . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { ما في بُطُونِ هَذِهِ الأنعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا } السائبة والبحيرة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا . واللبن مما في بطونها ، وكذلك أجنتها ، ولم يخصص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا بعض ذلك حرام عليهنّ دون بعض . وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يقال : إنهم قالوا ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حلّ لذكورهم خالصة دون إناثهم ، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم ، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتاً فيشترك حينئذٍ في أكله الرجال والنساء . واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت الخالصة ، فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين : أنثت لتحقيق الخلوص ، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة ، فجرى مجرى راوية ونسّابة . وقال بعض نحويي الكوفة : أنثت لتأنيث الأنعام ، لأن ما في بطونها مثلها ، فأنثت لتأنيثها . ومن ذكَّره فلتذكير « ما » قال : وهي في قراءة عبد الله : « خالصٌ » قال : وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدراً ، كما تقول العافية والعاقبة ، وهو مثل قوله : { إنَّا أخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ } . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرّموا ما في بطونها على أزواجهم ، لذكورهم دون إناثهم ، كما فعل ذلك بالراوية والنسّابة والعلاّمة ، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته ، كما يقال : فلان خالصة فلان وخُلْصانه . وأما قوله : { ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا } فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّي بالأزواج ، فقال بعضهم : عنى بها النساء . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا } قال : النساء . وقال آخرون : بل عنى بالأزواج البنات . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجنا } قال : الأزواج : البنات . وقالوا : ليس للبنات منه شيء . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام ، يعني أنعامهم : هذا محرّم على أزواجنا . والأزواج إنما هي نساؤهم في كلامهم ، وهن لا شكّ بنات من هن أولاده ، وحلائل من هنّ أزواجه . وفي قول الله عزّ وجلّ : { وَمَحَرَّمٌ على أزواجِنا } الدليل الواضح على أن تأنيث « الخالصة » كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور ، لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل : ومحرّمة على أزواجنا ، ولكن لما كان التأنيث في الخالصة لما ذكرت ، ثم لم يقصد في المحرّم ما قصد في الخالصة من المبالغة ، رجع فيها إلى تذكير « ما » ، واستعمال ما هو أولى به من صفته . وأما قوله : { وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ } فاختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه يزيد بن القعقاع وطلحة بن مصرِّف في آخرين : « وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ » بالتاء في « تكن » ورفع « ميتة » ، غير أن يزيد كان يشدّد الياء من ميتة ، ويخففها طلحة . حدثني بذلك المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي حماد ، قال : ثنا عيسى ، عن طلحة بن مصرف . وحدثنا أحمد بن يوسف ، عن القاسم ، وإسماعيل بن جعفر ، عن يزيد . وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة والبصرة : { وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً } بالياء وميتة بالنصب وتخفيف الياء . وكأنّ من قرأ : { وَإنْ يَكُنْ } بالياء { مَيْتَةً } بالنصب ، أرادوا إن يكن ما في بطون تلك الأنعام ، فذكَّر « يكن » لتذكير « ما » ، ونصب « الميتة » لأنه خبر « يكن » . وأما من قرأ : « وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ » فإنه إن شاء الله أراد وإن يكن ما في بطونها ميتة ، فأنث « تكن » لتأنيث « ميتة » . وقوله : { فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ } فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله لا يحرّمونه على أحد منهم ، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ } قال : تأكل النساء مع الرجال ، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة فهم فيه شركاء ، وقالوا : إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيباً وإن شئنا لم نجعل . وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوّله ابن زيد ، لأن ظاهرها يدلّ على أنهم قالوا : إن لم يكن ما في بطونها ميتة ، فنحن فيه شركاء بغير شرط مشيئة . وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم . القول في تأويل قوله تعالى : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . يقول جلّ ثناؤه : سيجزي : أي سيثيب ويكافىء هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرّمه الله ، وتحليلهم ما لم يحلله الله ، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله . وقوله : { وَصْفَهُمْ } يعني بوصفهم الكذب على الله ، وذلك كما قال جلّ ثناؤه في موضع آخر من كتابه : وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمْ الكَذِبَ والوصف والصفة في كلام العرب واحد ، وهما مصدران مثل الوزن والزنة . وبنحو الذي قلنا في معنى « الوصف » قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } قال : قولهم الكذب في ذلك . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أي كذبهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أي كذبهم . وأما قوله : { حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فإنه يقول جلّ ثناؤه : إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه ، حكيم في سائر تدبيره في خلقه ، عليم بما يصلحهم وبغير ذلك من أمورهم .