Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الزاعمين أن الله حرّم عليهم ما هم محرّموه من حروثهم وأنعامهم ، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك : تعالوا أيها القوم أقرأ عليكم ما حرّم ربكم حقًّا يقيناً ، لا الباطل ، تخرّصاً كخرصكم على الله الكذب والفرية ظنًّا ، ولكن وحياً من الله أوحاه إليّ ، وتنزيلاً أنزله عليّ ، ألا تشركوا بالله شيئاً من خلقه ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ولا تعبدوا شيئاً سواه . { وَبالوَالِدَيْنِ إحْساناً } يقول : وأوصى بالوالدين إحساناً . وحذف « أوصى » وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه ، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب . وأما « أن » في قوله : { أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئاً } فرفع ، لأن معنى الكلام : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ، هو أن لا تشركوا به شيئاً . وإذا كان ذلك معناه ، كان في قوله : { تُشْركُوا } وجهان : الجزم بالنهي ، وتوجيه « لا » إلى معنى النهي . والنصب على توجيه الكلام إلى الخبر ، ونصب « تشركوا » بـ « ألاَّ » كما يقال : أمرتك أن لا تقوم . وإن شئت جعلت « أن » في موضع نصب ردّاً على « ما » وبياناً عنها ، ويكون في قوله : { تُشْرِكُوا } أيضاً من وجهي الإعراب نحو ما كان فيه منه ، و « أن » في موضع رفع ، ويكون تأويل الكلام حينئذٍ : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ، أتْلُ أن لا تشركوا به شيئاً . فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون قوله { تُشْرِكُوا } نصباً بـ « أن لا » ، أم كيف يجوز توجيه قوله : { أن لا تشركوا به } ، على معنى الخبر ، وقد عطف عليه بقوله : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إملاقٍ } وما بعد ذلك من جزم النهي ؟ قيل : جاز ذلك كما قال تعالى ذكره : { قُلْ إنّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَنْ أسْلَمَ } فجعل « أن أكون » خبراً و « أنْ » اسماً ، ثم عطف عليه ، وكما قال الشاعر : @ حَجَّ وأوْصَى بسُلَيْمَى الأعْبُدَا أنْ لا تَرَى وَلا تُكَلِّمْ أحَدَا وَلا يَزَلْ شَرابُها مُبَرَّدَا @@ فجعل قوله « أن لا ترى » خبراً ، ثم عطف بالنهي ، فقال : « ولا تكلم » ، « ولا يزل » . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإيَّاهُمْ } . يعني تعالى ذكره بقوله : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ } ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم ، فإن الله هو رازقكم وإياهم ، ليس عليكم رزقهم ، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم . والإملاق : مصدر من قول القائل : أملقت من الزاد ، فأنا أُمْلِقُ إملاقاً ، وذلك إذا فني زاده وذهب ماله وأفلس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكمْ مِنْ إمْلاقٍ } الإملاق : الفقر ، قتلوا أولادهم خشية الفقر . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ } أي خشية الفاقة . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ } قال : الإملاق : الفقر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قوله : { مِنْ إمْلاقٍ } قال : شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، في قوله : { مِنْ إمْلاقٍ } يعني : من خشية فقر . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } . يقول تعالى ذكره : ولا تقربوا الظاهر من الأشياء المحرّمة عليكم التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها ، والباطن منها الذي تأتونه سرّا في خفاء لا تجاهرون به ، فإن كلّ ذلك حرام . وقد قيل : إنما قيل لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن ، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنا بعضاً . وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع ، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كلّ فاحشة وباطنها ، ولا خبر يقطع العذر بأنه عنى به بعضٌ دون جميع ، وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن إلا بحجة يجب التسليم لها . ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال الآية خاصّ المعنى : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } أما ما ظهر منها : فزواني الحوانيت ، وأما ما بطن : فما خفي . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } كان أهل الجاهلية يستسرّون بالزنا ، ويرون ذلك حلالاً ما كان سرًّا ، فَحرّم الله السرّ منه والعلانية { ما ظَهَرَ مِنْها } يعني : العلانية { وَما بَطَنَ } يعني : السرّ . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } قال : كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السرّ ويستقبحونه في العلانية ، فحرّم الله الزنا في السرّ والعلانية . وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } : سرّها وعلانيتها . حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، نحوه . وقال آخرون : ماظهر نكاح الأمهات وحلائل الآباء ، وما بطن : الزنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } قال : ما ظهر : جمع بين الأختين ، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده وما بطن : الزنا . وقال آخرون في ذلك بما : حدثني إسحاق بن زياد العطار البصري ، قال : ثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال : ثنا تميم بن شاكر الباهلي ، عن عيسى بن أبي حفصة ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَلا تَقْرَبوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ } قال : ما ظهر الخمر ، وما بطن : الزنا . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بالحَقّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . يقول تعالى ذكره : { قُلْ تَعَالُوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ أنْ لا تُشرِكُوا بِهِ شَيئْاً } { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حرّم الله إلاَّ بالحَقّ } يعني بالنفس التي حرّم الله قتلها : نفس مؤمن أو معاهَد . وقوله : { إلا بالحَقّ } يعني : بما أباح قتلها به من أن تقتل نفساً فتقتل قوداً بها ، أو تزني وهي محصنة فترجم ، أو ترتدّ عن دينها الحقّ فتُقتل فذلك الحقّ الذي أباح الله جلّ ثناؤه قتل النفس التي حرّم على المؤمنين قتلها به . { ذَلِكُمْ } يعني : هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه ، هي الأمور التي أوصانا والكافرين بها أن نعمل جميعاً به . { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يقول : وصاكم بذلك لعلكم تعقلون ما وصاكم به ربكم .