Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 152-152)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { ولاَ تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيم إلاَّ بالتي هي أحْسَن } ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتيمِ إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } قال : التجارة فيه . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } فليثمِّر ماله . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا فضيل بن مرزوق العنزي ، عن سليط بن بلال ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله : { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيم إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ } قال : يبتغي له فيه ، ولا يأخذ من ربحه شيئاً . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاَّ بالتي هيَ أحْسَنُ } قال : التي هي أحسن : أن يأكل بالمعروف إن افتقر ، وإن استغنى فلا يأكل قال الله : { وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَليْأْكُلْ بالمَعْرُوف } . قال : وسئل عن الكسوة فقال : لم يذكر الله الكسوة إنما ذكر الأكل . وأما قوله : { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } فإن الأشدّ جمع شدّ ، كما الأضرّ جمع ضرّ ، وكما الأشرّ جمع شرّ . والشدّ : القوّة ، وهو استحكام قوّة شبابه وسنه ، كما شدّ النهار ارتفاعه وامتداده ، يقال : أتيته شدّ النهار ومدّ النهار ، وذلك حين امتداده وارتفاعه وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة : @ عَهْدِي بِه شَدَّ النَّهار كأنَّمَا خُضِبَ اللَّبانُ ورأسُهُ بالعِظْلِم @@ ومنه قول الآخر : @ يُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهار ظَعِينَةٌ طَويلَةُ أنْقاء اليَدَيْن سَحُوقُ @@ وكان بعص البصريين يزعم أن الأشدّ اسم مثل الآنك . فأما أهل التأويل فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل بلغ أشدّه ، فقال بعضهم : يقال ذلك له إذا بلغ الحلم . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عمي ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عمرو بن الحرث ، عن ربيعة ، في قوله : { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال : الحلم . حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عمي ، قال : ثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، مثله . قال ابن وهب : وقال لي مالك مثله . حُدثت عن الحماني ، قال : ثنا هشيم ، عن مجاهد ، عن عامر : { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال : الأشدّ : الحلم ، حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات . وقال آخرون : إنما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ } قال : أما أشدّه : فثلاثون سنة ، ثم جاء بعدها : حتى إذَا بَلَغُوا النِّكاحَ . وفي الكلام محذوف ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر عما حذف . وذلك أن معنى الكلام : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، حتى يبلغ أشدّه ، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشداً فادفعوا إليه ماله . لأنه جلّ ثناؤه لم ينه أن يُقرَب مال اليتيم في حال يتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه ويحلّ لوليه بعد بلوغه أشدّه أن يقربه بالتي هي أسوأ ، ولكنه نهاهم أن يقربوا حياطة منه له وحفظاً عليه ليسلموه إليه إذا بلغ أشدّه . القول في تأويل قوله تعالى : { وأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزَانَ بالقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسعَها } . يقول تعالى ذكره : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن أوفوا الكيل والميزان ، يقول : لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتوهم والوزن إذا وزنتموهم ، ولكن أوفوهم حقوقهم وإيفاؤهم ذلك : إعطاؤهم حقوقهم تامَّة بالقسط ، يعني : بالعدل . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { بالقِسْطِ } بالعدل . وقد بيَّنا معنى القسط بشواهده فيما مضى وكرهنا إعادته . وأما قوله : { لا نُكَلِّفُ نَفْساً إلا وُسْعَها } فإنه يقول : لا نكلف نفساً من إيفاء الكيل والوزن إلا ما يسعها ، فيحلّ لها ، ولا تحرَج فيه . وذلك أن الله جلّ ثناؤه علم من عباده أن كثيراً منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له ، فأمر المعطي بإيفاء ربّ الحقّ حقه الذي هو له ولم يكلفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها ، وأمر الذي له الحقّ بأخد حقه ولم يكلفه الرضا بأقلّ منه ، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه ، فلم يكلف نفساً منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق ، فلذلك قال : { لا نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَها } . وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله تعالى : { وَإذَا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . يعني تعالى ذكره بقوله : { وَإذَا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا } : وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم ، فقولوا الحقّ بينهم ، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الذي يتوجه الحقّ عليه والحكم ذا قرابة لكم ، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره ، أن تقولوا غير الحقّ فيما احتكم إليكم فيه . { وَبِعَهْدِ اللّهِ أوْفُوا } يقول : وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم ، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك هو الوفاء بعهد الله . وأما قوله : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك : هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين ، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا ووصاكم بها ربكم وأمركم بالعمل بها ، لا بالبحائر والسوائب والوصائل والحام وقتل الأولاد ووأد البنات واتباع خطوات الشيطان . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يقول : أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين ووصاكم بها وعهد إليكم فيها ، لتتذكروا عواقب أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين ، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها ، لتتذكروا عواقب أمركم وخطأ ما أنتم عليه مقيمون ، فتنزجروا عنها وترتدعوا وتنيبوا إلى طاعة ربكم . وكان ابن عباس يقول : هذه الآيات هنّ الآيات المحكمات . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن عليّ بن صالح ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن قيس ، عن ابن عباس ، قال : هنّ الآيات المحكمات ، قوله : { قُلْ تَعالُوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أنْ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئْاً } حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ، قالا : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ، قال : سمعت يحيى بن أيوب ، يحدّث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله ، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار ، قال : سمع كعب الأحبار رجلاً يقرأ : { قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } فقال : والذي نفس كعب بيده ، إن هذا لأوّل شيء في التوراة « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن رجل ، عن الربيع بن خيثم أنه قال لرجل : هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد ؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات : { قُلْ تَعَالُوا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أنْ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسحاق الرازي ، عن أبي سنان ، عن عمرو بن مرّة ، قال : قال الربيع : ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لم يقل خاتمها . فقرأ هذه الآيات : { قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : جاء إليه نفر فقالوا : قد جالست أصحاب محمد فحدّثنا عن الوحي فقرأ عليهم هذه الآيات من الأنعام : { قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أنْ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فما عندنا وحي غيره . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : قال : هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإذَا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا } قال : قولوا الحقّ .