Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 74-74)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد لحجاجك الذي تحاجّ به قومك وخصومتك إياهم في آلهتهم وما تراجعهم فيها ، مما نلقيه إليك ونعلمكه من البرهان ، والدلالة على باطل ما عليه قومك مقيمون وصحة ما أنت عليه مقيم من الدين وحقية ما أنت عليهم محتج ، حجاجَ إبراهيم خليلي قومه ، ومراجعته إياهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من عبادة الأوثان ، وانقطاعه إلى الله والرضا به والياً وناصراً دون الأصنام فاتخِذْهُ إماماً واقْتَدِ به ، واجعل سيرته في قومك لنفسك مثالاً ، إذ قال لأبيه مفارقاً لدينه وعائباً عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه : يا آزر . ثم اختلف أهل العلم في المعنيّ بآزر ، وما هو ؟ اسم أم صفة ؟ وإن كان اسماً ، فمن المسمى به ؟ فقال بعضهم : هو اسم أبيه . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } قال : اسم أبيه آزر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة بن الفضل ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، قال : آزر : أبو إبراهيم . وكان فيما ذكر لنا والله أعلم رجلاً من أهل كُوثَى ، من قرية بالسواد ، سواد الكوفة . حدثني ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت سعيد بن عبد العزيز يذكر ، قال : هو آزر ، وهو تارح ، مثل إسرائيل ويعقوب . وقال آخرون : إنه ليس أبا إبراهيم . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن حميد وسفيان بن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : ليس آزر أبا إبراهيم . حدثني الحرث ، قال : ثني عبد العزيز ، قال : ثنا الثوريّ ، قال : أخبرني رجل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : { وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأَبيهِ آزَرَ } قال : آزر لم يكن بأبيه إنما هو صنم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : آزر : اسم صنم . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : { وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } قال : اسم أبيه . ويقال : لا ، بل اسمه تارح ، واسم الصنم آزر يقول : أتتخذ آزر أصناماً آلهة . وقال آخرون : هو سبّ وعيب بكلامهم ، ومعناه : معوجّ . كأنه تأوّل أنه عابه بزيغه واعوجاجه عن الحقّ . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ لأَبيهِ آزَرَ } بفتح « آزر » على إتباعه الأب في الخفض ، ولكنه لما كان اسماً أعجمياً فتحوه إذ لم يجرُّوه وإن كان في موضع خفض . وذكر عن أبي يزيد المديني والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك : « آزرُ » ، بالرفع على النداء ، بمعنى : « يا آزرُ » . فأما الذي ذكر عن السديّ من حكايته أن آزر إسم صنم ، وإنما نصبه بمعنى : « أتتخذ آزر أصناماً آلهة ، فقول من الصواب من جهة العربية بعيد وذلك أن العرب لا تنصب اسماً بفعل بعد حرف الاستفهام ، لا تقول : أخاك أكلمت ، وهي تريد : أكلمت أخاك . والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ بفتح الراء من « آزر » ، على إتباعه إعراب « الأب » ، وأنه في موضع خفض ، ففُتح إذ لم يكن جارياً لأنه اسم عجميّ . وإنما أجيزت قراءة ذلك كذلك لإجماع الحجة من القراء عليه . وإذ كان ذلك هو الصواب من القراءة وكان غير جائز أن يكون منصوباً بالفعل الذي بعد حرف الاستفهام ، صحّ لك فتحه من أحد وجهين : إما أن يكون اسماً لأبي إبراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله ، فيكون في موضع خفض ردًّا على الأب ، ولكنه فتح لما ذكرت من أنه لما كان اسماً أعجميًّا ترك إجراؤه ، ففتح كما فتح العرب في أسماء العجم . أو يكون نعتاً له ، فيكون أيضاً خفضاً بمعنى تكرير اللام عليه ، ولكنه لما خرج مخرج أحمر وأسود ترك إجراؤه وفعل له كما يفعل بأشكاله . فيكون تأويل الكلام حينئذ : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر : أتتخذ أصناماً آلهة ؟ وإن لم يكن له وجهة في الصواب إلاَّ أحد هذين الوجهين ، فأولى القولين بالصواب منهما عندي ، قول من قال : هو اسم أبيه لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه . وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الآخر الذي زعم قائله أنه نعت . فإن قال قائل : فإن أهل الأنساب إنما ينسبون إبراهيم إلى تارح ، فكيف يكون آزر اسماً له والمعروف به من الاسم تارح ؟ قيل له : غير محال أن يكون له اسمان ، كما لكثير من الناس في دهرنا هذا ، وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم . وجائز أن يكون لقباً ، والله تعالى أعلم . القول في تأويل قوله تعالى : { أتَتَّخِذُ أصْناماً آلِهَة إنّي أرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لأبيه آزر أنه قال : أتتخذ أصناماً آلهة تعبدها وتتخذها ربًّا دون الله الذي خلقك فسوّاك ورزقك والأصنام : جمع صنم ، التمثال من حجر أو خشب أو من غير ذلك في صورة إنسان ، وهو الوثن . وقد يقال للصورة المصوّرة على صورة الإنسان في الحائط غيره : صنم ووثن . { إنّي أرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } يقول : إني أراك يا آزر وقومك الذين يعبدون معك الأصنام ويتخذونها آلهة { في ضَلالٍ } يقول : في زوال عن محجة الحق ، وعدول عن سبيل الصواب { مُبِين } يقول : يتبين لمن أبصره أنه جور عن قصد السبيل وزوال عن محجة الطريق القويم . يعني بذلك : أنه قد ضلّ هو وهم عن توحيد الله وعبادته الذي استوجب عليهم إخلاص العبادة له بآلائه عندهم ، دون غيره من الآلهة والأوثان .