Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-91)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وما أجلوا الله حقّ إجلاله ، ولا عظموه حقّ تعظيمه . { إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } يقول : حين قالوا : لم ينزل الله على آدمي كتاباً ولا حياً . واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : { إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } وفي تأويل ذلك فقال بعضهم : كان قائل ذلك رجلاً من اليهود . ثم اختلفوا في اسم ذلك الرجل ، فقال بعضهم : كان اسمه مالك بن الصيف . وقال بعضهم : كان اسمه فَنْحاص . واختلفوا أيضاً في السبب الذي من أجله قال ذلك . ذكر من قال : كان قائل ذلك مالك بن الصيف : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سيعد بن جبير ، قال : جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أنْشُدكَ بالذِي أنْزَلَ التوْرَاةَ على مُوسَى ، أما تَجِد فِي التوْرَاةِ أنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الحَبْر السَّمِينَ ؟ " وكان حبراً سميناً ، فغضب فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه الذين معه : ويحك ولا موسى ؟ فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى } … الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } قال : نزلت في مالك بن الصيف كان من قريظة من أحبار اليهود { قُلْ يا مُحَمَّدُ مَنْ أنْزَلَ الكِتابِ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للنَّاسِ } الآية . ذكر من قال : نزلت في فنحاص اليهودي : حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } قال : قال فنحاص اليهودي : ما أنزل الله على محمد من شيء . وقال آخرون : بل عنى بذلك جماعة من اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آيات مثل آيات موسى . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس ، قال : ثنا أبو معشر المدني ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : جاء ناس من يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحْتَبٍ ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً يحملها من عند الله فأنزل الله : { يَسألُكَ أهْلُ الكِتابِ أن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سألُوا مُوسَى أكْبَرَ مِنَ ذَلِكَ فَقالُوا أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً } الآية ، فجثا رجل من يهود ، فقال : ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئاً فأنزل الله : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } قال محمد بن كعب : ما علموا كيف الله { إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً } فحلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حبوته ، وجعل يقول : " ولا عَلَى أَحَدٍ " . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } … إلى قوله : { فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } هم اليهود والنصارى ، قوم آتاهم الله علماً فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به ، فذمهم الله في عملهم ذلك ، ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول : إنّ من أكثر ما أنا مخاصم به غداً أن يقال : يا أبا الدرداء قد علمت ، فماذا عملت فيما علمت ؟ . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { ومَا قَدَروا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللَّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } يعني : من بني إسرائيل . قالت اليهود : يا محمد أنزّل الله عليك كتاباً ؟ قال : « نعم » قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتاباً . فأنزل الله : { قُلْ } يا محمد { مَنْ أنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للناس } … إلى قوله : { وَلا آباؤكُمْ } قال : الله أنزله . وقال آخرون : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن مشركي قريش أنهم قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال عبد الله بن كثير : إنه سمع مجاهداً يقول : { وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللّهُ على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } قالها مشركو قريش ، قال : وقوله : { قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وهُدًى للنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَها وتُخْفُونَ كَثِيراً } قال : هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيراً . قال : وقوله : { وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤكُمْ } قال : هذه للمسلمين . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَما قَدَرُوا اللّهُ حَقَّ قَدْرِهِ } قال : هم الكفار لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم ، فمن آمن أن الله على كلّ شيء قدير فقد قدر الله حقّ قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حقّ قدره . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ومَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } يقول : مشركو قريش . وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : عني بقوله : { وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ } مشركو قريش . وذلك أن ذلك في سياق الخبر عنهم أوّلاً ، فأن يكون ذلك أيضاً خبراً عنهم أشبه من أن يكون خبراً عن اليهود ولما يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلاً ، مع ما في الخبر عمن أخبر الله عنه في هذه الآية من إنكاره أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً من الكتب وليس ذلك مما تدين به اليهود ، بل المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور داود . وإذا لم يكن بما روي من الخبر بأن قائل ذلك كان رجلاً من اليهود خبر صحيح متصل السند ، ولا كان على أن ذلك كان كذلك من أهل التأويل إجماع ، وكان الخبر من أوّل السورة ومبتدئَها إلى هذا الموضع خبراً عن المشركين من عبدة الأوثان ، وكان قوله : { وَما قَدَرُوا حَقَّ اللّهَ قَدْرِهِ } موصولاً بذلك غير مفصول منه ، لم يجز لنا أن ندّعي أن ذلك مصروف عما هو به موصول إلاَّ بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل ولكني أظنّ أن الذين تأوّلوا ذلك خبراً عن اليهود ، وجدوا قوله : « قُلْ مَنْ أنزل الكتابَ الَّذِي جاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيراً وعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤكُمْ » فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة ، فقرءوه على وجه الخطاب لهم : { تجعلونه قراطِيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلَّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } فجعلوا ابتداء الآية خبراً عنهم ، إذ كانت خاتمتها خطاباً لهم عندهم . وغير ذلك من التأويل والقراءة أشبه بالتنزيل ، لما وصفت قبل من أن قوله : { وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } في سياق الخبر عن مشركي العرب وعبدة الأوثان ، وهو به متصل ، فالأولى أن يكون ذلك خبراً عنهم . والأصوب من القراءة في قوله : « يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيراً » أن يكون بالياء لا بالتاء ، على معنى أن اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً ، ويكون الخطاب بقوله : { قُلْ منْ أنزلَ الكتابَ } لمشركي قريش . وهذا هو المعنى الذي قصده مجاهد إن شاء الله في تأويل ذلك ، وكذلك كان يقرأ . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن أيوب ، عن مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف : « يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيراً » . القول في تأويل قوله تعالى : « قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيراً » . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { قُلْ } يا محمد لمشركي قومك القائلين لك : ما أنزل على بشر من شيء ، قل { مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } يعني : جلاء وضياء من ظلمة الضلالة { وَهُدًى للنَّاسِ } يقول : بياناً للناس ، يبين لهم له الحقّ من الباطل فيما أشكل عليهم من أمر دينهم ، يجعلونه قراطيس يبدونها . فمن قرأ ذلك : { تَجْعَلُونَهُ } جعله خطاباً لليهود على ما بيَّنت من تأويل من تأوّل ذلك كذلك ، ومن قرأه بالياء : « يَجْعَلُونَهُ » فتأويله في قراءته : يجعله أهله قراطيس ، وجرى الكلام في « يبدونها » بذكر القراطيس ، والمراد منه : المكتوب في القراطيس ، يراد يبدون كثيراً مما يكتبون في القراطيس ، فيظهرونه للناس ويخفون كثيراً مما يثبتونه في القراطيس فيسرّونه ويكتمونه الناس . ومما كانوا يكتمونه إياهم ما فيها من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته . كالذي : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : « قَرَاطِيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيراً » : اليهود . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : { قُلْ } يا محمد « مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي بِهِ جاء مُوسَى نُورًا وهُدًى للنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدونَها » يعني يهود لما أظهروا من التوراة . { ويُخْفُونَ كَثِيراً } مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه قال ابن جريج : وقال عبد الله بن كثير : إنه سمع مجاهداً يقول : « يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونها ويُخْفُونَ كَثِيراً » قال : هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيراً . القول في تأويل قوله تعالى : { وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ ولا آباؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } . يقول تعالى ذكره : وعلَّمكم الله جلّ ثناؤه الكتاب الذي أنزله إليكم ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم ومن أنباء من بعدكم وما هو كائن في معادكم يوم القيامة ، { وَلا آباؤُكُمْ } يقول : ولم يُعلمْه آباؤكم أيها المؤمنون بالله من العرب وبرسوله صلى الله عليه وسلم . كالذي : حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن أيوب ، عن مجاهد : { وَعُلِّمْتُمْ } معشر العرب { ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عبد الله بن كثير : إنه سمع مجاهداً يقول في قوله : { وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ } قال : هذه للمسلمين . وأما قوله : { قُلِ اللّهُ } فإنه أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجيب استفهامه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله : « قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى للنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونها ويُخْفُونَ كَثِيراً » بقيله : الله ، كأمره إياه في موضع آخر في هذه السورة بقوله : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لِئنْ أنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } فأمره باستفهام المشركين عن ذلك ، كما أمره باستفهامهم { إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللّهُ على بَشَر مِنْ شَيْء } عمن أنزل الكتاب الذي به جاء موسى نُوراً وهدى للناس . ثم أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله : { قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلّ كَرْب ثُمَّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ } كما أمره بالإجابة ههنا عن ذلك بقيله : الله أنزله على موسى . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى للنَّاسِ } قال : الله أنزله . ولو قيل : معناه : « قل هو الله » على وجه الأمر من الله له بالخبر عن ذلك لا على وجه الجواب إذ لم يكن قوله : { قُلْ مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ } مسألة من المشركين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون قوله : { قُلِ اللّهُ } جواباً لهم عن مسألتهم ، فإنما هو أمر من الله لمحمد بمسألة القوم : من أنزل الكتاب ، فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله ابن عباس من تأويله كان جائزاً من أجل أنه استفهام ، ولا يكون للاستفهام جواب وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا . وأما قوله : { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ثم ذر هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام بعد احتجاجك عليهم في قيلهم { ما أنْزَلَ اللّهُ على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } بقولك { مَنْ أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للنَّاسِ } وإجابتك ذلك بأن الذي أنزله الله الذي أنزل عليك كتابه { في خَوْضِهِمْ } يعني : فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بالله وآياته ، يقول : يستهزءون ويسخرون . وهذا من الله وعيد لهؤلاء المشركين وتهديد لهم يقول الله جلّ ثناؤه : ثم دعهم لاعبين يا محمد ، فإني من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد وأذيفهم بأسي ، وأحلّ بهم إن تمادوا في غيّهم سخطي .