Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 94-94)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الآلهة والأنداد ، يخبر عباده أنه يقول لهم عند ورودهم عليه : { لقد جئتمونا فرادى } ويعني بقوله : فرادى » : وحداناً لا مال معهم ولا أثاث ولا رفيق ولا شيء مما كان الله خوّلهم في الدنيا . { كمَا خَلَقْناكُمْ أوَّل مَرَّة } عُراة غُلْفاً غُرْلاً حفاة كما ولدتهم أمهاتهم ، وكما خلقهم جلّ ثناؤه في بطون أمهاتهم ، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهون به في الدنيا . وفرادى : جمع ، يقال لواحدها : فرد ، كما قال نابغة بني ذُبيان : @ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيَ أكَارِعُهُ طاوِي المَصِيرِ كسَيْفِ الصَّيْقَل الفَرَدِ @@ وفَرَد وفَرِيد ، كما يقال : وَحَد ووَحِد ووَحِيد في واحد « الأوحاد » ، وقد يجمع الفَرْد الفُراد ، كما يجمع الوَحْد الوُحَاد ، ومنه قول الشاعر : @ ترَى النُّعَراتِ الزُّرْقِ فوقَ لَبانه فُرادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْها صَوَاهِلُهْ @@ وكان يونس الجرميّ فيما ذكر عنه يقول : فراد : جمع فرد ، كما قيل : توأم وتؤام للجيمع ، ومنه الفرادى والرُّدَافى والغوانى . ويقال : رجل فرد ، وامرأة فَرْد ، إذا لم يكن لها أخ ، وقد فَرَدَ الرجل فهو يَفْرُد فُروداً ، يراد به تفرد ، فهو فارد . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : أخبرني عمرو أن ابن أبي هلال حدثه أنه سمع القرطبي يقول : قرأت عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قول الله : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوَّل مَرَّةٍ } فقالت : واسوأتاه ، إن الرجال والنساء يحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ ، لا يَنْظُرُ الرّجالُ إلى النِّساءِ ولا النِّساءُ إلى الرّجالِ ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ " . وأما قوله : { وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } فإنه يقول : خَلَّفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها خلفكم في الدنيا ، فلم تحملوه معكم . وهذا تعبير من الله جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم ، وكلّ ما مَلَّكته غيرَك وأعطيته فقد خوّلته ، يقال منه : خال الرجل يخال أشدّ الخيال بكسر الخاء ، وهو خائل ، ومنه قول أبي النجم : @ أعْطَى فلمْ يَبْخَلْ وَلمْ يُبَخَّلِ كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ @@ وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشد بين زهير : @ هنالكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْوِلُوا وَإنْ يُسألُوا يُعْطُوا وَإنْ يُيْسِرُوا يُغلُوا @@ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ } من المال والخدم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } في الدنيا . القول في تأويل قوله تعالى : { وَما نَرَى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ } . يقول تعالى ذكره لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد يوم القيامة : ما نرى معكم شفعاءكم الذين كنتم في الدنيا تزعمون أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة . وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث لقيله : إن اللات والعُزّى يشفعان له عند الله يوم القيامة . وقيل : إن ذلك كان قول كافة عبدة الأوثان . ذكر من قال ذلك . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : أما قوله : { وَما نَرَى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ } فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدون الآلهة لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله وأن هذه الآلهة شركاء لله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة ، قال : قال النضر بن الحرث : سوف تشفع لي اللات والعزّى فنزلت هذه الآية : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ … } إلى قوله : { شُرَكاءَ } . القول في تأويل قوله تعالى : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } . يقول تعالى مخبراً عن قيله يوم القيامة لهؤلاء المشركين به الأنداد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } يعني : تواصلَهم الذي كان بينهم في الدنيا ، ذهب ذلك اليوم ، فلا تواصل بينهم ولا توادَّ ولا تناصر ، وقد كانوا في الدنيا يتواصلون ويتناصرون فاضمحلّ ذلك كله في الآخرة ، فلا أحد منهم ينصر صاحبه ولا يواصله . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك . حدثني محمدبن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } البين : تواصلهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو خذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قال : تواصلَهم في الدنيا . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قال : وصْلكم . وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قال : ما كان بينكم من الوصل . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } يعني : الأرحام والمنازل . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } يقول : تقطع ما بينكم . حدثنا أبو كريب ، قال : قال أبو بكر بن عياش : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } : التواصل في الدنيا . واختلفت القرّاء في قوله : { بَيْنَكُمْ } . فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة نصباً بمعنى : لقد تقطع ما بينكم . وقرأ ذلك عامة قرّاء مكة والعراقيين : « لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ » رفعاً ، بمعنى : لقد تقطع وصلكم . والصواب من القول عندي في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان باتفاق المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، وذلك أن العرب قد تنصب « بين » في موضع الاسم ، ذكر سماعاً منها : إيابى نحوك ودُونَك وسواءَك ، نصباً في موضع الرفع ، وقد ذكر عنها سماعاً الرفع في « بين » إذا كان الفعل لها وجُعلت اسماً وينشد بيت مهلهل : @ كأنَّ رِماحَهُمْ أشْطانُ بِئْرٍ بعييدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ @@ برفع « بين » إذْ كانت اسماً . غير أن الأغلب عليهم في كلامهم النصب فيها في حال كونها صفة وفي حال كونها اسماً . وأما قوله : { وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } فإنه يقول : وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم ، وأنه لكم شفيع عند ربكم ، فلا يشفع لكم اليوم .