Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهنّ عن المحيض ، فلا يرجون أن يحضن من نسائكم إنِ ارتبتم . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { إنِ ارْتَبْتُمْ } فقال بعضهم : معنى ذلك : إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها ، أمن الحيض هو ، أم من الاستحاضة ، فعِدَّتهنّ ثلاثة أشهر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إنِ ارْتَبْتُمْ } إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة ، والتي لم تحض ، فعدتهنّ ثلاثة أشهر . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ { إنِ ارْتَبْتُمْ } قال : في كبرها أن يكون ذلك من الكبر ، فإنها تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة ، فإنه يتأنى بها حتى ينظر حامل هي أم غير حامل ؟ فإن استبان حملها ، فأجلها أن تضع حملها ، فإن لم يستبن حملها ، فحتى يستبين بها ، وأقصى ذلك سنة . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ } قال : إن ارتبت أنها لا تحيض وقد ارتفعت حيضتها ، أو ارتاب الرجال ، أو قالت هي : تركتني الحيضة ، فعدتهنّ ثلاثة أشهر إن ارتاب ، فلو كان الحمل انَتَظر الحملَ حتى تنقضي تسعة أشهر ، فخاف وارتاب هو ، وهي أن تكون الحيضة قد انقطعت ، فلا ينبغي لمسلمة أن تحبَس ، فاعتدت ثلاثة أشهر ، وجعل الله جلّ ثناؤه أيضاً للتي لم تحض الصغيرة ثلاثة أشهر . حدثنا ابن عبد الرحيم البَرْقيّ ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : أخبرنا أبو معبد ، قال : سُئل سليمان عن المرتابة ، قال : هي المرتابة التي قد قعدت من الولد تطلق ، فتحيض حيضة ، فيأتي إبَّان حيضتها الثانية فلا تحيض قال : تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة قال : فإن حاضت حيضتين ثم جاء إبان الثالثة فلم تحض اعتدّت حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة ، ولم يعتدّ بما مضى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن ارتبتم بحكمهنّ فلم تدروا ما الحكم في عدتهنّ ، فإن عدتهنّ ثلاثة أشهر . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا مطرف ، عن عمرو بن سالم ، قال : قال أبيّ بن كعب : يا رسول الله إن عِدداً من عِدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار ، وأولات الأحمال ، فأنزل الله : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } . وقال آخرون : معنى ذلك : إن ارتبتم مما يظهر منهنّ من الدم ، فلم تدروا أدم حيض ، أم دم مستحاضة من كبر كان ذلك أو علة ؟ ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرِمة ، قال : إن من الريبة : المرأة المستحاضة ، والتي لا يستقيم لها الحيض ، تحيض في الشهر مراراً ، وفي الأشهر مرّة ، فعدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول قتادة . وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال : عُنِي بذلك : إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهنّ ، وذلك أن معنى ذلك لو كان كما قاله من قال : إن ارتبتم بدمائهنّ فلم تدروا أدم حيض ، أو استحاضة ؟ لقيل : إن ارتبتنّ لأنهنّ إذا أشكل الدم عليهنّ فهنّ المرتابات بدماء أنفسهنّ لا غيرهنّ ، وفي قوله : { إن ارْتَبْتُمْ } وخطابه الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أن معناه : إن ارتبتم أيها الرجال بالحكم فيهنّ وأخرى وهو أنه جلّ ثناؤه قال : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ } واليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضاً للكبر ، ومحال أن يقال : واللائي يئسن ، ثم يقال : ارتبتم بيأسهنّ ، لأن اليأس : هو انقطاع الرجاء والمرتاب بيأسها مرجوّ لها ، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد ، فإذا كان الصواب من القول في ذلك ما قلنا ، فبين أن تأويل الآية : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهنّ ، وفي عِددهنّ ، فلم تدروا ما هنّ ، فإن حكم عددهنّ إذا طلقن ، وهنّ ممن دخل بهنّ أزواجهنّ ، فعدتهنّ ثلاثة أشهر { وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } يقول : وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهنّ أزواجهنّ بعد الدخول . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ في قوله : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ } يقول : التي قد ارتفع حيضها ، فعدتها ثلاثة أشهر { واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } قال : الجواري . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ } وهنّ اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن ، واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن ، فعدتهنّ ثلاثة أشهر . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ … } الآية ، قال : القواعد من النساء { واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } : لم يبلغن المحيض ، وقد مُسِسْن ، عدتهنّ ثلاثة . وقوله : { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } في انقضاء عدتهنّ أن يضعن حملهنَّ ، وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل ، فأما في المتوفي عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم . وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك . ذكر من قال : حكم قوله { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } عام في المطلَّقات والمتوفي عنهنّ . حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصريّ ، قال : ثنا سعيد ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثني ابن شبرمة الكوفي ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن قيس أن ابن مسعود قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } إلا بعد آية المتوفي عنها زوجها ، وإذا وضعت المتوفي عنها فقد حلت يريد بآية المتوفي عنها : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجاً يَترَبَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهِرٍ وعَشْراً } حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا مالك ، يعني ابن إسماعيل ، عن ابن عيينة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عن أبي عطية قال : سمعت ابن مسعود يقول : من شاء قاسمته نزلت سورة النساء القُصْرَى بعدها ، يعني بعد أربعة أشهر وعشراً . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال : لقيت أبا عطية مالك بن عامر ، فسألته عن ذلك ، يعني عن المتوفي عنها زوجها إذا وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر ، فأخذ يحدثني بحديث سُبيعة ، قلت : لا ، هل سمعت من عبد الله في ذلك شيئاً ؟ قال : نعم ، ذكرت ذات يوم أو ذات ليلة عند عبد الله ، فقال : أرأيت إن مضت الأربعة الأشهر والعشر ولم تضع أقد أحلَّت ؟ قالوا : لا ، قال : أفتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون لها الرخصة ، فوالله لأنزلت النساء القُصْرَى بعد الطُّولى . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : قال الشعبيٌّ : من شاء حالفته لأنزلت النساء القُصْرَى بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة . حدثني أحمد بن منيع ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبيّ ، قال : ذكر عبد الله بن مسعود آخر الأجلين ، فقال : من شاء قاسمته بالله أن هذه الآية التي أنزلت في النساء القُصْرَى نزلت بعد الأربعة الأشهر ، ثم قال : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مُغيرة ، قال : قلت للشعبي : ما أصدّق أن علياً رضي الله عنه كان يقول : آخر الأجلين أن لا تتزوّج المتوفي عنها زوجها حتى يمضي آخر الأجلين قال الشعبيّ : بلى وصدق أشدّ ما صدّقت بشيء قط وقال عليّ رضي الله عنه : إنما قوله { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } المطلقات ، ثم قال : إن علياً رضي الله عنه وعبد الله كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا موسى بن داود ، عن ابن لهيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : لما نزلت هذه الآية : { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال : قلت : يا رسول الله ، المتوفي عنها زوجها والمطلقة ، قال : " نَعَمْ " حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، عن ابن عيينة ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، يحدّث عن أُبيّ بن كعب ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال : " أجَلُ كُلّ حامِل أنْ تَضَعَ ما في بَطْنِها " . حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، قوله { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال : للمرأة الُحْبَلى التي يطلقها زوجها وهي حامل ، فعدتها أن تضع حملها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها ، ليس المحيض من أمرها في شيء إذا كانت حاملاً . وقال آخرون : ذلك خاصّ في المطلقات ، وأما المتوفي عنها فإن عدتها آخر الأجلين ، وذلك قول مرويّ عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهما . وقد ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل . والصواب من القول في ذلك أنه عامّ في المطلقات والمتوفي عنهنّ ، لأن الله جلّ وعزّ ، عمّ بقوله بذلك فقال : { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ولم يخصص بذلك الخبر عن مطلقة دون متوفي عنها ، بل عمّ الخبر به عن جميع أولات الأحمال . إن ظنّ ظانّ أن قوله { وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفي عنهنّ ، فهو بالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهنّ ، وعن المتوفي عنهنّ ، فإن الأمر بخلاف ما ظنّ ، وذلك أن ذلك وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات ، فإنه منقطع عن الخبر عن أحكام المطلقات ، بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال المطلقات منهنّ وغير المطلقات ، ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض من خبر ولا عقل ، فهو على عمومه لما بيَّنا . وقوله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَه مِنْ أمْرِهِ يُسْراً } يقول جلّ ثناؤه : ومن يخَفِ الله فرهِبَهُ ، فاجتنب معاصيه ، وأدّى فرائضه ، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته ، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسراً ، وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها وإن انقضت عدتها ، ثم دعته نفسه إليها قدر على خطبتها .