Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 9-12)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : { وَجاءَ فِرْعَوْنُ } مصر . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَمَنْ قَبْلَهُ } فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ : { وَمَنْ قَبْلَهُ } بفتح القاف وسكون الباء ، بمعنى : وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة . وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي : « وَمَنْ قِبَلِهِ » بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى : وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله { وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ } يقول : والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها { بالخاطِئةِ } يعني بالخطيئة . وكانت خطيئتها : إتيانها الذكران في أدبارهم . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله { وَالمُؤْتَفِكاتُ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ } قرية لوط . وفي بعض القراءة : « وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ » . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ } قال : المؤتفكات : قوم لوط ، ومدينتهم وزرعهم ، وفي قوله : { وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى } قال : أهواها من السماء : رمى بها من السماء أوحى الله إلى جبريل عليه السلام ، فاقتلعها من الأرض ، ربضها ومدينتها ، ثم هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الأرض ، ثم أتبعهم الصخر حجارة ، وقرأ قول الله : { حِجارَةً مِنْ سِجِّيل مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً } قال : المسوّمة : المُعَدَّة للعذاب . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةَ } يعني المكذّبين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَالمُؤْتَفِكاتُ } هم قوم لوط ، ائتفكت بهم أرضُهم . وبما قلنا في قوله : { بالخاطِئَةِ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بالخاطِئَةِ } قال : الخطايا . وقوله : { فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ } يقول جلّ ثناؤه : فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله ، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم . وقوله : { فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً } يقول : فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة ، يعني أخذة زائدة شديدة نامية ، من قولهم : أربيت : إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال : أربيتَ فرَبا رِباك ، والفضة والذهب قد رَبَوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { أخْذَةً رَابِيَةً } قال : شديدة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً } يعني أخذة شديدة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله الله : { فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً } قال : كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشرّ رابية ، قال : ربا عليهم : زاد عليهم ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ } ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ } يقول : ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشرّ . وقوله : { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } يقول تعالى ذكره : إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف ، كان له ، وذلك زمن الطوفان . وقيل : إنه زاد فعلاً فوق كلّ شيء بقدر خمس عشرة ذراعاً . ذكر من قال ذلك ، ومن قال في قوله : { طَغَى } مثل قولنا : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ } قال : بلغنا أنه طغى فوق كلّ شيء خمس عشرة ذراعاً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ } ذاكم زمن نوح طغى الماء على كلّ خمس عشرة ذراعاً بقدر كل شيء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القُميّ ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ } قال : لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزَّان ، إلا حيث طغى الماء ، فإنه قد غضب لغضب الله ، فطغى على الخزان ، فخرج ما لا يعلمون ما هو . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } إنما يقول : لما كثر . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { إنَّا لَمَّا طَغَى المَاءُ } يعني كثر الماء ليالي غرّق الله قوم نوح . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إنَّا لمَّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُم } قال محمد بن عمرو في حديثه : طما وقال الحارث : ظهر . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، عن الضحاك ، في قوله : { لَمَّا طَغَى المَاءُ } : كثر وارتفع . وقوله : { حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } يقول : حملناكم في السفينة التي تجري في الماء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } الجارية : السفينة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } والجارية : سفينة نوح التي حملتم فيها . وقيل : حملناكم ، فخاطب الذين نزل فيهم القرآن ، وإنما حمل أجدادهم نوحاً وولده ، لأن الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية ، فكان حمل الذين حملوا فيها من الأجداد حملاً لذرّيتهم على ما قد بيَّنا من نظائر ذلك في أماكن كثيرة من كتابنا هذا . وقوله : { لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً } يقول : لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة ، يعني عبرة وموعظة تتعظون بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً } فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة ، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رماداً . وقوله : { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } يقول : حافظة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَة } يقول : سامعة ، وذلك الإعلان . ذكر من قال ذلك : حدثنا نصر بن عليّ ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا خالد بن قيس ، عن قتادة { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال : أذن عقلت عن الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } أذن عقلت عن الله ، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال : أذن سمعت ، وعقلت ما سمعت . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : الضحاك يقول في قوله : { وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } سمعتها أذن ووعت . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن عليّ بن حوشب ، قال : سمعت مكحولاً يقول : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } ثم التفت إلى عليّ ، فقال : " سأَلْتُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ " ، قال عليّ رضي الله عنه : فما سمعت شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته . حدثني محمد بن خلف ، قال : ثني بشر بن آدم ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، قال : ثني عبد الله بن رستم ، قال : سمعت بُرَيدة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ : " يا عَليُّ إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ ، وأنْ أُعَلِّمَكَ ، وأنْ تَعيَ ، وحَقّ على اللَّهِ أنْ تَعِيَ " ، قال : فنزلت { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } . حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا الحسن بن حماد ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيميّ عن فضيل ابن عبد الله ، عن أبي داود ، عن بُرَيدة الأسلميّ ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ : " إنَّ اللَّهَ أمَرَني أنْ أُعَلِّمَكَ وأنْ أُدْنِيَكَ وَلا أجْفُوَكَ وَلا أُقْصِيَكَ " ، ثم ذكر مثله . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال : واعية يحذرون معاصي الله أن يعذّبهم الله عليها ، كما عذّب من كان قبلهم تسمعها فتعيها ، إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشرّ من باب الوعي .