Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 5-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : { فأمَّا ثَمُودُ } قوم صالح ، فأهلكهم الله بالطاغية . واختلف في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود أهل التأويل ، فقال بعضهم : هي طغيانهم وكفرهم بالله . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : { فأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ } قال : بالذنوب . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فأمَّا ثمُودُ فأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ } فقرأ قول الله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها } وقال : هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله . الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله وخلاف كتاب الله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فأَمَّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ } بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { بالطَّاغِيَةِ } قال : أرسل الله عليهم صيحة واحدة فأهمدتهم . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فأُهلكوا بالصيحة الطاغية . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به ، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به ، فقال : وأمَّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله ، كان الخبر أيضاً عن عاد كذلك ، إذ كان ذلك في سياق واحد ، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت . وقوله : { وأمَّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } يقول تعالى ذكره : وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر ، وهي الشديدة العصوف مع شدّة بردها { عاتَيَةٍ } يقول : عتت على خزانها في الهبوب ، فتجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس ، قوله : { وأمَّا عادٌ فأُهْلَكُوا بَرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } يقول : بريح مهلكة باردة ، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة ، دائمة لا تَفْتُر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأمَّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } والصرصر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن المسيب ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال ما أرسل الله من ريح قطّ إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قطّ إلا بمثقال ، إلا يوم نوح ويوم عاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه ، فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : { إنَّا لَمَّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ } وإن الريح عتت على خزّانها فلم يكن لهم عليها سبيل ، ثم قرأ : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا أبو سنان ، عن غير واحد ، عن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، قال : « لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخُزَّان ، فطغى الماء على الجبال فخرج ، فذلك قول الله : { إنَّا لَمَّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ } ولم ينزل من الريح شيء إلا بكيل على يدي مَلك إلاّ يوم عاد ، فإنه أذن لها دون الخزّان ، فخرجت ، وذلك قول الله : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } عتت على الخزّان » . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ } قال : الصرصر : الشديدة ، والعاتية : القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { صَرْصَرٍ } قال : شديدة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } يعني : باردة عاتية ، عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة . وقوله : { سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } يقول تعالى ذكره : سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فقال بعضهم : عُنى بذلك تباعا . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وثمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } يقول : تباعاً . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { حُسُوماً } قال : متتابعة . حدثنا ابن حميد ، قال حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود { وَثَمانِيَةَ أيَّامِ حُسُوماً } قال : متتابعة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله { حُسُوماً } قال : تباعاً . قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : ثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن عكرِمة ، في قوله : { حُسُوماً } قال : تباعاً . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرِمة أنه قال في هذه الآية { وَثَمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } قال : متتابعة . حدثنا نصر بن عليّ ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا خالد بن قيس ، عن قتادة { وَثمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } قال : متتابعة ليس لها فترة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَثمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } قال : متتابعة ليس فيه تفتير . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله { حُسُوماً } قال : دائمات . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ ، عن ابن مسعود { أيَّامٍ حُسُوماً } قال : متتابعة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان قال : قال مجاهد : { أيَّامٍ حُسُوماً } قال : تباعاً . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { أيَّامٍ حُسُوماً } قال : متتابعة ، و { أيام نحسات } قال : مشائيم . وقال آخرون : عنى بقوله : { حُسُوماً } الريح ، وأنها تحسم كلّ شيء ، فلا تبقى من عاد أحداً ، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وثَمانِيَة أيّامٍ حُسُوماً } قال : حسمتهم لم تُبق منهم أحداً ، قال : ذلك الحسوم مثل الذي يقول : احسم هذا الأمر قال : وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب قال : قال موسى بن عقبة : فلما جاءهم العذاب قالوا : قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا قال : فقاموا وصفوا في الوادي ، فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحداً ، وقرأ قول الله : { سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً } حتى بلغ : { نخل خاوية } قال : فإن كانت الريح لتمرّ بالظعينة فتستدبرها وحمولتها ، ثم تذهب بهم في السماء ، ثم تكبهم على الرؤوس ، وقرأ قول الله : { فَلَمَّا رأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا } قال : وكان أمسك عنهم المطر ، فقرأ حتى بلغ : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بأمْرِ رَبِّها } قال : وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كلّ يوم إلا واحداً قال : فلما عذّب الله قوم عاد ، أبقى الله واحدا ينذر الناس ، قال : فكانت امرأة قد رأت قومها ، فقالوا لها : أنت أيضاً ، قالت : تنحيت على الجبل قال : وقد قيل لها بعد : أنت قد سلمت وقد رأيت ، فكيف لا رأيت عذاب الله ؟ قالت : ما أدرى غير أن أَسْلَمَ ليلةٍ : ليلة لا ريح . وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عُنِي بقوله { حُسُوماً } متتابعة ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك . وكان بعض أهل العربية يقول : الحسوم : التباع ، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم قال : وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء : إذا كوى صاحبه ، لأنه لحم يكوى بالمكواة ، ثم يتابع عليه . وقوله : { فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى } يقول : فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا { كأنَّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ } يقول : كأنهم أصول نخل قد خوت ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { كأنَّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيَةٍ } : وهي أصول النخل . وقوله : { فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقِيَة } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فهل ترى يا محمد لعاد قوم هود من بقاء . وقيل : عُنِي بذلك : فهل ترى منهم باقياً . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين يقول : معنى ذلك : فهل ترى لهم من بقية ، ويقول : مجازها مجاز الطاغية مصدر .