Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 146-146)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : سأنزع عنهم فهم الكتاب . ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن منصور الـمروزي ، قال : ثنـي مـحمد بن عبد الله بن بكر ، قال : سمعت ابن عيـينة يقول فـي قول الله : { سأصْرِفُ عَنْ آياتِـيَ الَّذِينَ يَتَكَبِّرُونَ فِـي الأرْضِ بغيرِ الـحَقّ } قال : يقول : أنزع عنهم فهم القرآن ، وأصرفهم عن أياتـي . وتأويـل ابن عيـينة هذا يدلّ علـى أن هذا الكلام كان عنده من الله وعيداً لأهل الكفر بـالله مـمن بعث إلـيه نبـينا صلى الله عليه وسلم دون قوم موسى ، لأن القرآن إنـما أنزل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم دون موسى علـيه السلام . وقال آخرون فـي ذلك : معناه : سأصرفهم عن الاعتبـار بـالـحجج . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { سأصْرِفُ عَنْ أياتِـيَ } عن خـلق السموات والأرض والآيات فـيها ، سأصرفهم عن أن يتفكروا فـيها ويعتبروا . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه سيصرف عن آياته ، وهي أدلته وأعلامه علـى حقـية ما أمر به عبـاده وفرض علـيهم من طاعته فـي توحيده وعدله وغير ذلك من فرائضه ، والسموات والأرض ، وكلّ موجود من خـلقه فمن آياته ، والقرآن أيضاً من آياته . وقد عمّ بـالـخبر أنه يصرف عن آياته الـمتكبرين فـي الأرض بغير الـحقّ ، وهم الذين حقَّت علـيهم كلـمة الله أنهم لا يؤْمنون ، فهم عن فهم جميع آياته والاعتبـار والأدّكار بها مصروفون لأنهم لو وفقوا لفهم بعض ذلك فهدوا للاعتبـار به اتعظوا وأنابوا إلـى الـحقّ ، وذلك غير كائن منهم ، لأنه جلّ ثناؤه قال : { وَإنْ يَرَوْا كُلّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها } فلا تبديـل لكلـمات الله . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الرُّشْدِ لا يَتَّـخِذُوهُ سَبِـيلاً وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الغَيّ يَتَّـخِذُوهُ سَبِـيلاً ذلكَ بأنَّهُمْ كَذَّبُوا بآياتِنا وكانُوا عَنْها غَافِلِـينَ } . يقول تعالـى ذكره : وإن ير هؤلاء يتكبرون فـي الأرض بغير الـحقّ . وتكبرهم فـيها بغير الـحقّ : تـجبرهم فـيها ، واستكبـارهم عن الإيـمان بـالله ورسوله والإذعان لأمره ونهيه ، وهم لله عبـيد يغذوهم بنعمته ويريح علـيهم رزقه بكرة وعشياً . { كلَّ آيَةٍ } يقول : كلّ حجة لله علـى وحدانـيته وربوبـيته ، وكلّ دلالة علـى أنه لا تنبغي العبـادة إلا له خالصة دون غيره . { لا يُؤْمِنُوا بِها } يقول : لا يصدّقوا بتلك الآية أنها دالة علـى ما هي فـيه حجة ، ولكنهم يقولون : هي سحر وكذب . { وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الرُّشْدِ لا يَتَّـخِذُوهُ سَبِـيلاً } يقول : وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نـجوا من الهلكة والعطب وصاروا إلـى نعيـم الأبد لا يسلكوه ولا يتـخذوه لأنفسهم طريقاً ، جهلاً منهم وحيرة . { وإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الغَيِّ } يقول : وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلوا وهلكوا . وقد بـيَّنا معنى الغيّ فـيـما مضى قبل بِـما أغنى عن إعادته . { يَتَّـخِذُوهُ سَبِـيلاً } يقول : يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقاً لصرف الله إياهم عن آياته وطبعه علـى قلوبهم ، فهم لا يفلـحون ولا ينـجحون . { ذلكَ بأنَّهُمْ كَذَّبُوا بآياتِنا وكانُوا عَنْها غَافِلِـينَ } يقول تعالـى ذكره : صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها ، فـيعتبروا بها ويذكروا فـينـيبوا عقوبة منا لهم علـى تكذيبهم بآياتنا ، { وكَانُوا عَنْها غَافِلِـينَ } يقول : وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة علـى حقـية ما أمرناهم به ونهيناهم عنه ، غافلـين لا يتفكَّرون فـيها ، لاهين عنها لا يعتبرون بها ، فحقّ علـيهم حينئذ قول ربنا ، فعطبوا . واختلف القرّاء فـي قراءة قوله : { الرُّشْد } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة وبعض الـمكيـين وبعض البصريـين : { الرُّشْد } بضم الراء وتسكين الشين . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة وبعض الـمكيـين : « الرَّشَد » بفتـح الراء والشين . ثم اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه ، وفـيه إذا فتـحتا جميعاً . فذُكر عن أبـي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه : الصلاح ، كما قال الله : { فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْداً } بـمعنى : صلاحاً وكذلك كان يقرؤه هو ومعناه إذا فتـحت راؤه وشينه : الرَّشَد فـي الدين ، كما قال جلّ ثناؤه : { تُعَلِّـمَنِـي مِـمَّا عَلِّـمْتَ رَشَداً } بـمعنى الاستقامة والصواب فـي الدين . وكان الكسائي يقول : هما لغتان بـمعنى واحد ، مثل : السُّقم والسَّقَم ، والـحُزْن والـحَزَن ، وكذلك الرُّشْد والرَّشَد . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفـيضة القراءة بهما فـي قراءة الأمصار متفقتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب بها .