Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-150)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ولـما رجع موسى إلـى قومه من بنـي إسرائيـل ، رجع غضبـان أسفـاً ، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومُه ، وأن السامريّ قد أضلهم ، فكان رجوعه غضبـان أسفـاً لذلك . والأسف : شدّة الغضب والتغيظ به علـى من أغضبه . كما : حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعي ، قال : ثنا عبد السلام بن مـحمد الـحضرمي ، قال : ثنـي شريح بن يزيد ، قال : سمعت نصر بن علقمة ، يقول : قال أبو الدرداء : قول الله : { غَضْبـانَ أسِفـاً } ، قال : الأسف : منزلة وراء الغضب أشدّ من ذلك ، وتفسير ذلك فـي كتاب الله : ذهب إلـى قومه غضبـان ، وذهب أسفـاً . وقال آخرون فـي ذلك ما : حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { أَسِفـاً } قال : حزينا . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } يقول : أسفـاً حزيناً . وقال فـي الزخرف فلـمَّا آسفُونَا يقول : أغضبونا . والأسف علـى وجهين : الغضب والـحزن . حدثنا نصر بن علـيّ ، قال : ثنا سلـيـمان بن سلـيـمان ، قال : ثنا مالك بن دينار ، قال : سمعت الـحسن يقول فـي قوله : { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } قال : غضبـان حزيناً . وقوله قال : { بِئْسَما خَـلَفْتُـمُونِـي مِنْ بَعْدِي } يقول : بئس الفعل فعلتـم بعد فراقـي إياكم وأولـيتـمونـي فـيـمن خـلفت من ورائي من قومي فـيكم ودينـي الذي أمركم به ربكم . يقال منه : خـلفه بخير وخـلفه بشرّ إذا أولاه فـي أهله أو قومه ومن كان منه بسبـيـل من بعد شخوصه عنهم خيراً أو شرّاً . وقوله : { أعَجِلْتُـمْ أمْرَ رَبِّكُمْ } يقول : أسبقتـم أمر ربكم فـي نفوسكم ، وذهبتـم عنه ؟ يقال منه : عجل فلان هذا الأمر : إذا سبقه ، وعجل فلانٌ فلاناً إذا سبقه ، ولا تعجَلنـي يا فلان : لا تذهب عنـي وتدعنـي ، وأعجلته : استـحثثته . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وألْقَـى الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَـيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونَنِـي } . يقول تعالـى ذكره : وألقـى موسى الألواح . ثم اختلف أهل العلـم فـي سبب إلقائه إياه ، فقال بعضهم : ألقاها غضبـاً علـى قومه الذي عبدوا العجل . ذكر من قال ذلك : حدثنا تـميـم بن الـمنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبـي أيوب قال : ثنـي سعيد بن جبـير ، قال : قال ابن عبـاس : { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً } فأخذ برأس أخيه يجرّه إلـيه ، وألقـى الألواح من الغضب . وحدثنـي عبد الكريـم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : ثنا ابن عيـينة ، قال : قال أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما رجع موسى إلـى قومه ، وكان قريبـاً منهم ، سمع أصواتهم فقال : إنـي لأسمع أصوات قوم لاهين . فلـما عاينهم وقد عكفوا علـى العجل ألقـى الألواح فكسرها ، وأخذ برأس أخيه يجرّه إلـيه . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : أخذ موسى الألواح ثم رجع موسى إلـى قومه غضبـان أسفـا ، فقال : { يا قَوْمِ أَلَـمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } إلـى قوله : فكذَلكَ ألْقَـى السَّامِرِيُّ فـ { ألْقَـى مُوسَى الألْوَاحَ وأخَذَ برأَسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَـيْهِ } قال { يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لـما انتهى موسى إلـى قومه فرأى ما هم علـيه من عبـادة العجل ، ألقـى الألواح من يده ، ثم أخذ برأس أخيه ولـحيته يقول : { ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلُّوا ألاَّ تَتَّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي } ؟ . وقال آخرون : إنـما ألقـى موسى الألواح لفضائل أصابها فـيها لغير قومه ، فـاشتدّ ذلك علـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيدُ ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أخَذَ الألْوَاحَ } قال : رَبّ إنـي أجد فـي الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بـالـمعروف وينهون عن الـمنكر ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الآخرون السابقون : أي آخرون فـي الـخـلق ، سابقون فـي دخول الـجنة ، ربّ اجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة أناجيـلهم فـي صدورهم يقرءونها ، وكان مَن قبلَهم يقرءون كتابهم نظرا حتـى إذا رفعوها لـم يحفظوا شيئاً ولـم يعرفوه قال قتادة : وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الـحفظ شيئاً لـم يعطه أحداً من الأمـم قال : ربّ اجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة يؤمنون بـالكتاب الأوّل وبـالكتاب الآخِر ، ويقاتلون فصول الضلالة حتـى يقاتلوا الأعور الكذاب ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها فـي بطونهم ثم يؤجرون علـيها ، وكان مَن قبلهم من الأمـم إذا تصدّق بصدقة فقبلت منه ، بعث الله علـيهم ناراً فأكلتها ، وإن ردّت علـيه تركت تأكلها الطير والسبـاع ، قال : وإن الله أخذ صدقاتكم من غنـيكم لفقـيركم ، قال : ربّ اجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ثم لـم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلـى سبعمائة ، ربّ اجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لـم تكتب علـيه حتـى يعملها ، فإذا عملها كتبت علـيه سيئة واحدة ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الـمستـجيبون والـمستـجاب لهم فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الـمشفَّعون والـمشفوع لهم ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : وذكر لنا أن نبـيّ الله موسى علـيه السلام نبذ الألواح وقال : اللهمّ اجعلنـي من أمة أحمد قال : فأُعطي نبـيّ الله موسى علـيه السلام ثنتـين لـم يعطهما نبـيّ ، قال الله : { يا مُوسَى إنّـي اصْطَفَـيْتُكَ عَلـى النَّاسِ برِسالاتـي وبِكَلامي } قال : فرضي نبـي الله . ثم أُعطي الثانـية : { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال : فرضي نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كلّ الرضا . حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لـما أخذ موسى الألواح ، قال : يا ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم خير الأمـم ، يأمرون بـالـمعروف ، وينهون عن الـمنكر ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد . قال : يا ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القـيامة ، فـاجعلهم أمتـي قال : تلك أمة أحمد ، ثم ذكر نـحو حديث بشر بن معاذ ، إلا أنه قال فـي حديثه : فألقـى موسى علـيه السلام الألواح وقال : اللهمّ اجعلنـي من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم . والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك أن يكون سبب إلقاء موسى الألواح كان من أجل غضبه علـى قومه لعبـادتهم العجلَ لأن الله جلّ ثناؤه بذلك أخبر فـي كتابه ، فقال : { وَلـمَّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـاً بِئْسَما خَـلَفْتُـمُونِـي مِنْ بَعْدِي أعَجِلْتُـمْ أمْرَ رَبِّكُمْ وألْقَـى الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَـيْهِ } وذلك أن الله لـما كتب لـموسى علـيه السلام فـي الألواح التوراة ، أدناه منه حتـى سمع صريف القلـم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن السديّ ، عن أبـي عمارة ، عن علـيّ علـيه السلام قال : كتب الله الألواح لـموسى علـيه السلام وهو يسمع صريف الأقلام فـي الألواح . قال : ثنا إسرائيـل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، قال : أدناه حتـى سمع صريف الأقلام . وقـيـل : إن التوراة كانت سبعة أسبـاع فلـما ألقـى موسى الألواح تكسرت ، فرفع منها ستة أسبـاعها ، وكان فـيـما رفع تفصيـل كلّ شيء الذي قال الله : { وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ } وبقـي الهدى والرحمة فـي السبع البـاقـي ، وهو الذي قال الله : { أخذَ الألْواحَ وفـي نُسختِها هُدًى وَرَحْمَةٌ للَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبونَ } وكانت التوراة فـيـما ذكر سبعين وِقر بعير يقرأ منها الـجزء فـي سنة كما : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن خالد الـمكفوف ، قال : ثنا عبد الرحمن ، عن أبـي جعفر ، عن الربـيع بن أنس ، قال : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير ، يقرأ منها الـجزء فـي سنة ، لـم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى بن عمران ، وعيسى ، وعُزير ، ويوشع بن نون صلوات الله علـيهم . واختلفوا فـي الألواح ، فقال بعضهم : كانت من زمرّد أخضر . وقال بعضهم : كانت من ياقوت . وقال بعضهم : كانت من برَد . ذكر الرواية بـما ذكرنا من ذلك : حدثنـي أحمد بن إبراهيـم الدورقـي ، قال : ثنا حجاج بن مـحمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي يعلـى بن مسلـم ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : ألقـى موسى الألواح فتكسرت ، فرفعت إلا سدسها . قال : ابن جريج : وأخبرنـي أن الألواح من زبرجد وزمرّد من الـجنة . وحدثنـي موسى بن سهل الرملـي وعلـيّ بن داود وعبد الله بن أحمد بن شبويه وأحمد بن الـحسن الترمذي ، قالوا : أخبرنا آدم العسقلانـي ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربـيع ، عن أبـي العالـية ، قال : كانت ألواح موسى علـيه السلام من بَرَد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبـي الـجنـيد ، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة ، قال : سألت سعيد بن جبـير عن الألواح من أيّ شيء كانت ؟ قال : كانت من ياقوتة كتابة الذهب كتبها الرحمن بـيده ، فسمع أهل السموات صريف القلـم وهو يكتبها . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا القاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن مـحمد بن أبـي الوضاح ، عن خصِيف ، عن مـجاهد أو سعيد بن جبـير قال : كانت الألواح زمرّداً ، فلـما ألقـى موسى الألواح بقـي الهدى والرحمة ، وذهب التفصيـل . قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا الأشجعي ، عن مـحمد بن مسلـم ، عن خَصيف ، عن مـجاهد ، قال : كانت الألواح من زمرّد أخضر . وزعم بعضهم أن الألواح كانت لوحين ، فإن كان الذي قال كما قال ، فإنه قـيـل : { وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ } وهما لوحان ، كما قـيـل : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } وهما أخوان . وأما قوله : { وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَـيْهِ } فإن ذلك من فعل نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان لـموجدته علـى أخيه هارون فـي تركه اتبـاعه وإقامته مع بنـي إسرائيـل فـي الـموضع الذي تركهم فـيه ، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قـيـل موسى علـيه السلام له : { ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلُّوا ألاَّ تَتَّبِعَنِـي أفَعَصَيْتَ أمْرِي } ؟ حين أخبره هارون بعذره ، فقبل عذره ، وذلك قـيـله لـموسى : { لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي إنّـي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وَلـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } وقال : { يا ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونِنـي فَلا تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاء … } الآية . واختلفت القرّاء فـي قراء ة قوله « يا ابْنَ أُمَّ » فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الـمدينة وبعض أهل البصرة : « يا ابْنَ أُمَّ » بفتـح الـميـم من الأمّ . وقرأ ذلك عامَّة قرّاء أهل الكوفة : « يا ابْنَ أُمِّ » بكسر الـميـم من الأم . واختلف أهل العربـية فـي فتـح ذلك وكسره ، مع إجماع جميعهم علـى أنهما لغتان مستعملتان فـي العرب . فقال بعض نـحويـي البصرة : قـيـل ذلك بـالفتـح علـى أنهما اسمان جعلا اسماً واحداً ، كما قـيـل : يا ابن عمّ ، وقال : هذا شاذّ لا يقاس علـيه ، وقال : من قرأ ذلك : « يا ابن أمّ » ، فهو علـى لغة الذين يقولون : هذا غلام قد جاء ، جعله اسماً واحداً آخره مكسور ، مثل قوله خازِ بـازِ . وقال بعض نـحويـي الكوفة : قـيـل : يا ابن أمَّ ويا ابن عمّ ، فنصب كما ينصب الـمعرب فـي بعض الـحالات ، فـيقال : يا حسرتا ، يا ويـلتا ، قال : فكأنهم قالوا : يا أماه ويا عماه ولـم يقولوا ذلك فـي أخ ، ولو قـيـل ذلك لكان صوابـاً . قال : والذين خفضوا ذلك فإنه كثر فـي كلامهم حتـى حذفوا الـياء . قال : ولا تكاد العرب تـحذف الـياء إلا من الاسم الـمنادى يضيفه الـمنادِي إلـى نفسه ، إلا قولهم : يا ابن أمّ ، ويا ابن عمّ وذلك أنهما يكثر استعمالهما فـي كلامهم ، فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الـياء ، فقالوا : يا ابن أبـي ، ويا ابن أختـي وأخي ، ويا ابن خالتـي ، ويا ابن خالـي . والصواب من القول فـي ذلك أن يقال : إذا فُتـحت الـميـم من « ابن أمَّ » ، فمراد به الندبة : يا ابن أماه ، وكذلك من ابن عمّ فإذا كُسرت ، فمراد به الإضافة ، ثم حذفت الـياء التـي هي كناية اسم الـمخِبر عن نفسه . وكأن بعض من أنكر نسبته كسر ذلك إذا كسر ، ككسر الزاي من خازِ بـازِ ، لأن خازِ بـازِ لا يعرف الثانـي إلا بـالأوّل ولا الأوّل إلا بـالثانـي ، فصار كالأصوات . وحُكي عن يونس النـحوي تأنـيث أمّ وتأنـيث عمّ ، وقال : لا يجعل اسماً واحداً إلا مع ابن الـمذكر . قالوا : وأما اللغة الـجيدة والقـياس الصحيح فلغة من قال : « يا ابن أمي » بإثبـات الـياء ، كما قال أبو زَبـيد : @ يا بْنَ أُمِّي ويا شُقَـيِّقَ نَفْسِي أنْتَ خَـلَّفْتَنِـي لِدَهْرٍ شَدِيدِ @@ وكما قال الآخر : @ يا بْنَ أُمِّي وَلَوْ شَهِدْتُكَ إذْ تَدْ عُو تَـمِيـماً وأنْتَ غيرُ مُـجَابِ @@ وإنـما أثبت هؤلاء الـياء فـي الأم لأنها غير مناداة ، وإنـما الـمنادي هو الابن دونها ، وإنـما تسقط العرب الـياء من الـمنادى إذا أضافته إلـى نفسها ، لا إذا أضافته إلـى غير نفسها ، كما قد بـينا . وقـيـل : إن هارون إنـما قال لـموسى علـيه السلام : « يا ابن أمّ » ، ولـم يقل : « يا ابن أبـي » ، وهما لأب واحد وأم واحدة ، استعطافـاً له علـى نفسه برحِم الأم . وقوله : { إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونَنِـي } يعنـي بـالقوم الذين عكفوا علـى عبـادة العجل ، وقالوا هذا إلهنا وإله موسى ، وخالفوا هارون . وكان استضعافهم إياه ، تركهم طاعته واتبـاع أمره . { وكَادُوا يَقْتُلُونَنـي } يقول : قاربوا ولـم يفعلوا . واختلفت القراء فـي قراءة قوله : { فَلا تُشْمِتْ } فقرأ قرّاء الأمصار ذلك : { فَلاَ تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاءَ } بضمّ التاء من تُشمت وكسر الـميـم منها ، من قولهم : أشمت فلان فلاناً بفلان ، إذا سرّه فـيه بـما يكرهه الـمُشمَت به . ورُوي عن مـجاهد أنه قرأ ذلك : « فلا تَشْمُتْ بِـيَ الأعْدَاءُ » . حدثنـي بذلك عبد الكريـم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : ثنا سفـيان ، قال : قال حميد بن قـيس قرأ مـجاهد : « فَلا تَشْمُتْ بِـيَ الأعْدَاءَ » . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن ابن عيـينة ، عن حميد ، قال : قرأ مـجاهد : « فَلا تَشْمُتْ بِـيَ الأعْدَاءُ » . حُدثت عن يحيى بن زياد الفرّاء ، قال : ثنا سفـيان بن عيـينة ، عن رجل ، عن مـجاهد أنه قال : { لا تَشْمُتْ } . وقال الفرّاء : قال الكسائي : ما أدري ، فلعلهم أرادوا : { فَلاَ تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاءَ } فإن تكن صحيحة فلها نظائر . العرب تقول : فَرِغْتُ وَفَرَغْتُ ، فمن قال : فَرِغْتُ قال : أنا أفْرَغُ ، ومن قال : فَرَغْتَ قال : أنا أفْرُغُ ، وكذلك رَكِبْت وَرَكَنْتُ وشَمِلَهم أمر وشَمَلَهم ، فـي كثـير من الكلام . قال : « والأعداء » رَفْع لأن الفعل لهم لـمن قال تَشْمَتُ أو تَشْمُت . والقراءة التـي لا أستـجيز القراءة إلا بها قراءة من قرأ : { فَلا تُشْمِتْ } بضم التاء الأولـى وكسر الـميـم من أشمتُّ به عدوّه أشْمِته به ، ونصب الأعداء لإجماع الـحجة من قراء الأمصار علـيها وشذوذ ما خالفها من القراءة ، وكفـى بذلك شاهدا علـى ما خالفها . هذا مع إنكار معرفة عامة أهل العلـم بكلام العرب : شمَّتَ فلان فلاناً بفلان ، وشمَت فلان بفلان يشمُت به ، وإنـما الـمعروف من كلامهم إذا أخبروا عن شماتة الرجل بعدوّه شَمِتَ به بكسر الـميـم يَشْمَتُ به بفتـحها فـي الاستقبـال . وأما قوله : { وَلا تَـجْعَلْنِـي مَعَ القَوْمِ الظَّالِـمِينَ } فإنه قول هارون لأخيه موسى ، يقول : لا تـجعلنـي فـي موجدتك علـيّ وعقوبتك لـي ولـم أخالف أمرك مـحلّ من عصاك فخالف أمرك وعبد العجل بعدك فظلـم نفسه وعبد غير من له العبـادة ، ولـم أشايعهم علـى شيء من ذلك . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَلا تَـجْعَلْنِـي مَعَ القَوْمِ الظَّالِـمِينَ } قال : أصحاب العجل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد . بـمثله .