Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 164-164)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : واذكر أيضاً يا مـحمد ، إذ قالت أمة منهم ، جماعة منهم لـجماعة كانت تعظ الـمعتدين فـي السبت وتنهاهم عن معصية الله فـيه : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكهُمْ } فـي الدنـيا بـمعصيتهم إياه ، وخلافهم أمره ، واستـحلالهم ما حرّم علـيهم . { أوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } فـي الآخرة ، قال الذين كانوا ينهونهم عن معصية الله مـجيبـيهم عن قولهم : عظتنا إياهم { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } نؤدّي فرضه علـينا فـي الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر . { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقونَ } يقول : ولعلهم أن يتقوا الله فـيخافوه ، فـينـيبوا إلـى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إياه وتعدّيه علـى ما حرّم علـيهم من اعتدائهم فـي السبت . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن داود بن الـحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { قالُوا مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } لسخطنا أعمالهم . { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } : أي ينزعون عما هم علـيه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلَعلَّهُمْ يَتَّقُونَ } قال : يتركون هذا العمل الذي هم علـيه . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { قالُوا مَعْذِرَةً } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز والكوفة والبصرة : « مَعْذِرَةٌ » بـالرفع علـى ما وصفت من معناها . وقرأ ذلك بعض أهل الكوفة : { مَعْذِرَةً } نصبـا ، بـمعنى : إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك . واختلف أهل العلـم فـي هذه الفرقة التـي قالت : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ } هل كانت من الناجية ، أم من الهالكة ؟ فقال بعضهم : كانت من الناجية ، لأنها كانت من الناهية الفرقةَ الهالكة عن الاعتداء فـي السبت . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } هي قرية علـى شاطىء البحر بـين مكة والـمدينة يقال لها أيـلة ، فحرّم الله علـيهم الـحيتان يوم سبتهم ، فكانت الـحيتان تأتـيهم يوم سبتهم شرّعاً فـي ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لـم يقدروا علـيها ، فمكثوا بذلك ما شاء الله . ثم إن طائفة منهم أخذوا الـحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة وقالوا : تأخذونها وقد حرّمها الله علـيكم يوم سبتكم فلـم يزدادوا إلاَّ غيًّا وعتوًّا ، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم . فلـما طال ذلك علـيهم قالت طائفة من النهاة : تعلـمون أن هؤلاء قوم قد حقّ علـيهم العذاب { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكهُمْ } ؟ وكانوا أشدّ غضبـاً لله من الطائفة الأخرى ، فقالوا : { معذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وكلّ قد كانوا ينهون . فلـما وقع علـيهم غضب الله ، نـجت الطائفتان اللتان قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، والذين قالوا : { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ } ، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الـحيتان ، فجعلهم قردة وخنازير . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ … } إلـى قوله : { وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأتِـيهِم } وذلك أن أهل قرية كانت حاضرة البحر كانت تأتـيهم حيتانهم يوم سبتهم ، يقول : إذا كانوا يوم يسبتون تأتـيهم شرّعاً ، يعنـي من كلّ مكان ، { ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأتِـيهِمْ } وأنهم قالوا : لو أنا أخذنا من هذه الـحيتان يوم تـجيء ما يكفـينا فـيـما سوى ذلك من الأيام . فوعظهم قوم مؤمنون ونهوهم . وقالت طائفة من الـمؤمنـين : إن هؤلاء قوم قد هموا بأمر لـيسوا بـمنتهين دونه ، والله مخزيهم ومعذّبهم عذابـاً شديداً . قال الـمؤمنون بعضهم لبعض : { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } إن كان هلاك فلعلنا ننـجو وإما أن ينتهوا فـيكون لنا أجراً . وقد كان الله جعل علـى بنـي إسرائيـل يوماً يعبدونه ويتفرّغون له فـيه ، وهو يوم الاثنـين ، فتعدّى الـخبثاء من الاثنـين إلـى السبت ، وقالوا : هو يوم السبت . فنهاهم موسى ، فـاختلفوا فـيه ، فجعل علـيهم السبت ، ونهاهم أن يعملوا فـيه وأن يعتدوا فـيه . وإن رجلاً منهم ذهب لـيحتطب ، فأخذه موسى علـيه السلام ، فسأله : هل أمرك بهذا أحد ؟ فلـم يجد أحداً أمره ، فرجمه أصحابه . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : قال بعض الذين نهوهم لبعض : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } ؟ يقول : لـم تعظونهم وقد وعظتـموهم فلـم يطيعوكم ؟ فقال بعضهم : { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا معاذ بن هانىء ، قال : ثنا حماد ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } قال : ما أدري أنـجا الذين قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أم لا ؟ قال : فلـم أزل به حتـى عرّفته أنهم قد نـجوا ، فكسانـي حُلَّة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا حماد ، عن داود ، عن عكرمة ، قال : قرأ ابن عبـاس هذه الآية ، فذكر نـحوه ، إلا أنه قال فـي حديثه : فما زلت أبصِّره حتـى عرف أنهم قد نـجوا . حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي ، قال : ثنا يحيى بن سلـيـم الطائفـي ، قال : ثنا ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : دخـلت علـى ابن عبـاس والـمصحف فـي حجره وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك جعلنـي الله فداءك ؟ قال : فقرأ : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ … } إلـى قوله : { بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ } قال ابن عبـاس : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت نـخاف أن نكون مثلهم . فقلت : أما تسمع الله يقول : { فَلَـمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهوا عَنْه } ؟ فسرِّي عنه وكسانـي حُلَّة . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : ثنـي رجل ، عن عكرمة ، قال : جئت ابن عبـاس يوماً وهو يبكي ، وإذا الـمصحف فـي حجره ، فأعظمت أن أدنو ، ثم لـم أزل علـى ذلك حتـى تقدمت فجلست ، فقلت : ما يبكيك يا ابن عبـاس جعلنـي الله فداءك ؟ فقال : هؤلاء الورقات . قال : وإذا هو فـي سورة الأعراف . قال : تعرف أيـلة ؟ قلت : نعم . قال : فإنه كان حيّ من يهود سيقت الـحيتان إلـيهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون علـيها حتـى يغوصوا بعد كدّ ومؤنة شديدة ، كانت تأتـيهم يوم السبت شرّعاً بـيضاً سماناً كأنها الـماخض ، تنتطح ظهورها لبطونها بأفنـيتهم وأبنـيتهم . فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم إن الشيطان أوحى إلـيهم ، فقال : إنـما نهيتـم عن أكلها يوم السبت ، فخذوها فـيه وكلوها فـي غيره من الأيام فقالت ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة منهم : بل نهيتـم عن أكلها وأخذها وصيدها فـي يوم السبت . وكانوا كذلك حتـى جاءت الـجمعة الـمقبلة ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات الـيـمين وتنـحت ، واعتزلت طائفة ذات الـيسار وسكتت ، وقال الأيـمنون : الله ينهاكم عن أن تعترضوا لعقوبة الله ، وقال الأيسرون : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } ؟ قال الأيـمنون : { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي ينتهون ، فهو أحبّ إلـينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وإن لـم ينتهوا فمعذرة إلـى ربكم . فمضوا علـى الـخطيئة ، فقال الأيـمنون : قد فعلتـم يا أعداء الله ، والله لا نبـايتكم اللـيـلة فـي مدينتكم ، والله ما نراكم تصبحون حتـى يصيبكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده بـالعذاب فلـما أصبحوا ضربوا علـيهم البـاب ونادوا ، فلـم يجابوا ، فوضعوا سلـما وأعلوا سور الـمدينة رجلاً ، فـالتفت إلـيهم فقال : أي عبـاد الله قردة والله تعاوى لها أذناب قال : ففتـحوا فدخـلوا علـيهم ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتـي نسيبها من الإنس ، فتشمّ ثـيابه وتبكي ، فتقول لهم : ألـم ننهكم عن كذا ؟ فتقول برأسها نعم . ثم قرأ ابن عبـاس : { فَلَـمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أنْـجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأخَذْنا الَّذِينَ ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ } قال : فأرى الـيهود الذين نهوا قد نـجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونـحن نرى أشياء ننكرها ، فلا نقول فـيها ، قال : قلت : أي جعلنـي الله فداك ، ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم علـيه وخالفوهم وقالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ } ؟ قال : فأمر بـي فكسيت بردين غلـيظين . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحرِ } ذكر لنا أنه إذا كان يوم السبت أقبلت الـحيتان حتـى تنتطح علـى سواحلهم وأفنـيتهم لـما بلغها من أمر الله فـي الـماء ، فإذا كان فـي غير يوم السبت بعُدت فـي الـماء حتـى يطلبها طالبهم ، فأتاهم الشيطان ، فقال : إنـما حرم علـيكم أكلها يوم السبت ، فـاصطادوها يوم السبت وكلوها فـيـما بعد … قوله : { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فصار القوم ثلاثة أصناف : أما صنف ، فأمسكوا عن حرمة الله ونهوا عن معصية الله . وأما صنف فأمسك عن حرمة الله هيبة لله . وأما صنف فـانتهك الـحرمة ووقع فـي الـخطيئة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، عن ابن عبـاس فـي قول الله : { حاضِرَةَ البَحْرِ } قال : حرمت علـيهم الـحيتان يوم السبت ، وكانت تأتـيهم يوم السبت شرّعاً ، بلاء ابتلوا به ، ولا تأتـيهم فـي غيره إلا أن يطلبوها ، بلاء أيضاً بـما كانوا يفسقون . فأخذوها يوم السبت استـحلالاً ومعصية ، فقال الله لهم : كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ إلا طائفة منهم لـم يعتدوا ونهوهم ، فقال بعضهم لبعض : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ … } حتـى بلغ : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لعلهم يتركون ما هم علـيه . قال : كانوا قد بلوا بكفّ الـحيتان عنهم ، وكانوا يسبتون فـي يوم السبت ، ولا يعملون فـيه شيئاً ، فإذا كان يوم السبت أتتهم الـحيتان شرّعاً ، وإذا كان غير يوم السبت لـم يأت حوت واحد . قال : وكانوا قوما قد قرنوا بحبّ الـحيتان ، ولقوا منه بلاء ، فأخذ رجل منهم حوتاً ، فربط فـي ذنبه خيطاً ، ثم ربطه إلـى خَشَفَة ، ثم تركه فـي الـماء ، حتـى إذا غربت الشمس من يوم الأحد اجترّه بـالـخيط ، ثم شواه . فوجد جار له ريح حوت ، فقال : يا فلان إنـي أجد فـي بـيتك ريح نون فقال : لا . قال : فتطلع فـي تنوره فإذا هو فـيه فأخبره حينئذ الـخبر ، فقال : إنـي أرى الله سيعذّبك . قال : فلـما لـم يره عجل عذابـاً ، فلـما أتـى السبت الآخر أخذ اثنـين فربطهما ، ثم اطلع جار له علـيه . فلـما رآه لـم يعجل عذابـاً جعلوا يصيدونه ، فـاطلع أهل القرية علـيهم ، فنهاهم الذين ينهون عن الـمنكر ، فكانوا فرقتـين : فرقة تنهاهم وتكفّ ، وفرقة تنهاهم ولا تكفّ ، فقال الذين نهوا وكفوا للذين ينهون ولا يكفون : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } فقال الآخرون : { مَعْذِرَةً إلـى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فقال الله : { فَلَـمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أنْـجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ … } إلـى قوله : { بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ } قال الله : فَلَـمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ وقال لهم أهل تلك القرية : عملتـم بعمل سوّء ، من كان يريد يعتزل ويتطهر فلـيعتزل هؤلاء قال : فـاعتزل هؤلاء وهؤلاء فـي مدينتهم ، وضربوا بـينهم سوراً ، فجعلوا فـي ذلك السور أبوابـاً يخرج بعضهم إلـى بعض . قال : فلـما كان اللـيـل طرقهم الله بعذابه ، فأصبح أولئك الـمؤمنون لا يرون منهم أحداً ، فدخـلوا علـيهم ، فإذا هم قردة ، الرجل وأزواجه وأولاده . فجعلوا يدخـلون علـى الرجل يعرفونه ، فـيقولون : يا فلان ألـم نـحذّرك سطوات الله ؟ ألـم نـحذرك نقِمات الله ؟ ونـحذّرك ونـحذرك ؟ قال : فلـيس إلا بكاء . قال : وأنـما عذّب الله الذين ظلـموا الذين أقاموا علـى ذلك . قال : وأما الذين نهوا فكلهم قد نَهَى ، ولكن بعضهم أفضل من بعض فقرأ : { أنْـجَيْنا الَّذينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأخَذْنا الَّذِين ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ } حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا الـمـحاربـي ، عن داود ، عن عكرمة ، قال : قرأ ابن عبـاس هذه الآية : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } قال : لا أدري أنـجا القوم أو هلكوا ؟ فما زلت أبصِّره حتـى عرف أنهم نـجوا ، وكسانـي حُلَّة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنـي أشهب بن عبد العزيز ، عن مالك ، قال : زعم ابن رومان أن قوله : { تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ } قال : كانت تأتـيهم يوم السبت ، فإذا كان الـمساء ذهبت فلا يرى منها شيء إلـى السبت ، فـاتـخذ لذلك رجل منهم خيطاً ووتداً ، فربط حوتاً منها فـي الـماء يوم السبت ، حتـى إذا أمسوا لـيـلة الأحد أخذه فـاشتواه ، فوجد الناس ريحه ، فأتوه فسألوه عن ذلك ، فجحدهم ، فلـم يزالوا به حتـى قال لهم : فإنه جلد حوت وجدناه فلـما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك ، ولا أدري لعله قال : ربط حوتـين ، فلـما أمسى من لـيـلة الأحد أخذه فـاشتواه ، فوجدوا ريحه ، فجاءوا فسألوه ، فقال لهم : لو شئتـم صنعتـم كما أصنع ، فقالوا له : وما صنعت ؟ فأخبرهم ، ففعلوا مثل ما فعل ، حتـى كثر ذلك . وكانت لهم مدينة لها ربَض ، فغلَّقوها علـيهم ، فأصابهم من الـمسخ ما أصابهم ، فغدا إلـيهم جيرانهم مـمن كان يكون حولهم ، يطلبون منهم ما يطلب الناس ، فوجدوا الـمدينة مغلقة علـيهم ، فنادوا فلـم يجيبوهم ، فتسوّروا علـيهم ، فإذا هم قردة ، فجعل القرد يدنو يتـمسح بـمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتـمسح به . وقال آخرون : بل الفرقة التـي قالت : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } كانت من الفرقة الهالكة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن مـحمد بن إسحاق ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ … } إلـى قوله : { شُرَّعاً } قال : قال ابن عبـاس : ابتدعوا السبت ، فـابتلوا فـيه ، فحرّمت علـيهم فـيه الـحيتان ، فكانوا إذا كان يوم السبت شرَعت لهم الـحيتان ينظرون إلـيها فـي البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت ، فلـم تر حتـى السبت الـمقبل ، فإذا جاء السبت جاءت شرّعاً . فمكثوا ما شاء الله أن يـمكثوا كذلك ، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فخزم أنفه ، ثم ضرب له وتداً فـي الساحل وربطه وتركه فـي الـماء ، فلـما كان الغد أخذه فشواه فأكله . ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ، ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه ، حتـى ظهر ذلك فـي الأسواق وفعل علانـية ، قال : فقالت طائفة للذين ينهون : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً قالُوا مَعْذرَةً إلـى رَبِّكُمْ } فـي سخطنا أعمالهم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَـمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ … } إلـى قوله : { قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ } قال ابن عبـاس : كانوا أثلاثاً : ثلث نهوا ، وثلث قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، وثلث أصحاب الـخطيئة . فـما نـجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم ، فأصبح الذين نهوا عن السوء ذات يوم فـي مـجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، فغلقوا علـيهم دورهم ، فجعلوا يقولون : إن للناس لشأنا ، فـانظروا ما شأنهم فـاطلعوا فـي دورهم ، فإذا القوم قد مسخوا فـي ديارهم قردة ، يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، ويعرفون الـمرأة بعينها وإنها لقردة ، قال الله : { فجَعَلْناها نَكالاً لِـمَا بـينَ يَدَيْها وما خَـلْفَها وَمَوْعِظَةً للْـمُتَّقِـينَ } حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن أبـي بكر الهذلـيّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { أنْـجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ … } الآية ، قال ابن عبـاس : نـجا الناهون ، وهلك الفـاعلون ، ولا أدري ما صنع بـالساكتـين . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن ابن عبـاس : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } قال : هم ثلاث فرق : الفرقة التـي وعظت ، والـموعوظة التـي وُعِظت ، والله أعلـم ما فعلت الفرقة الثالثة ، وهم الذين قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } . وقال الكلبـي : هما فرقتان : الفرقة التـي وعظت ، والفرقة التـي قالت : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } قال : هي الـموعوظة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمران بن عيـينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لأن أكون علـمتُ مَنْ هؤلاء الذين قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـاً شَدِيداً } أحبّ إلـيّ مـما عدل به . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، قال : قال ابن عبـاس : { وَإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } قال : أسمع الله يقول : { أنْـجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأخَذْنا الَّذِينَ ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } فلـيت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا : { لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن ماهان الـحنفـيّ أبـي صالـح ، فـي قوله : { تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ } قال : كانوا فـي الـمدينة التـي علـى ساحل البحر ، وكانت الأيام ستة ، الأحد إلـى الـجمعة ، فوضعت الـيهود يوم السبت ، وسَبَتوه علـى أنفسهم ، فسبته الله علـيهم ، ولـم يكن السبت قبل ذلك ، فوكَّده الله علـيهم ، وابتلاهم فـيه بـالـحيتان ، فجعلت تشرع يوم السبت ، فـيتقون أن يصيبوا منها ، حتـى قال رجل منهم : والله ما السبت بـيوم وكَّده الله علـينا ، ونـحن وكدناه علـى أنفسنا ، فلو تناولت من هذا السمك فتناول حوتاً من الـحيتان ، فسمع بذلك جاره ، فخاف العقوبة فهرب من منزله . فلـما مكث ما شاء الله ولـم تصبه عقوبة تناول غيره أيضا فـي يوم السبت . فلـما لـم تصبهم العقوبة كثر من تناول فـي يوم السبت ، واتـخذوا يوم السبت ولـيـلة السبت عيداً يشربون فـيه الـخمور ويـلعبون فـيه بـالـمعازف ، فقال لهم خيارهم وصلـحاؤهم : ويحكم ، انتهوا عما تفعلون ، إن الله مهلككم أو معذّبكم عذابـاً شديداً أفلا تعقلون ؟ ولا تعدوا فـي السبت فأبوا ، فقال خيارهم : نضرب بـيننا وبـينهم حائطاً ففعلوا . وكان إذا كان لـيـلة السبت تأذّوا بـما يسمعون من أصواتهم وأصوات الـمعازف . حتـى إذا كانت اللـيـلة التـي مسخوا فـيها ، سكنت أصواتهم أوّل اللـيـل ، فقال خيارهم : ما شأن قومكم قد سكنت أصواتهم اللـيـلة ؟ فقال بعضهم : لعلّ الـخمر غلبتهم فناموا . فلـما أصبحوا لـم يسمعوا لهم حسًّا ، فقال بعضهم لبعض : ما لنا لا نسمع من قومكم حسًّا ؟ فقالوا لرجل : اصعد الـحائط وانظر ما شأنهم فصعد الـحائط فرآهم يـموج بعضهم فـي بعض ، قد مسخوا قردة ، فقال لقومه : تعالوا فـانظروا إلـى قومكم ما لقوا فصعدوا ، فجعلوا ينظرون إلـى الرجل ، فـيتوسمون فـيه ، فـيقولون : أي فلان أنت فلان ؟ فـيومىء بـيده إلـى صدره : أي نعم بـما كسبت يداي . حدثنـي يعقوب وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن علـية ، عن أيوب قال : تلا الـحسن ذات يوم : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ إذْ يَعْدُونَ فِـي السَّبْتِ إذْ تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ كذلكَ نَبْلُوهُمْ بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ } فقال : كان حوتا حرّمه الله علـيهم فـي يوم وأحله لهم فـيـما سوى ذلك ، فكان يأتـيهم فـي الـيوم الذي حرّمه الله علـيهم كأنه الـمخاض لا يـمتنع من أحد ، وقلَّـما رأيت أحداً يكثر الاهتـمام بـالذنب إلا واقعه . قال : فجعلوا يهمون ويـمسكون حتـى أخذوه ، فأكلوا أوخم أكلة أكلها قوم قطّ ، أثقله خزياً فـي الدنـيا وأشدّه عقوبة فـي الآخرة ، وايـمُ الله ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مؤمن ، وللـمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله جعل موعد قوم الساعة { والسَّاعَةُ أدْهَى وأَمَرُّ } حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا سفـيان ، عن أبـي موسى ، عن الـحسن ، قال : جاءتهم الـحيتان تشرع فـي حياضهم كأنها الـمخاض ، فأكلوا والله أوخم أكلة أكلها قوم قطّ ، أسوأه عقوبة فـي الدنـيا وأشدّه عذابـاً فـي الآخرة . وقال الـحسن : وقتل الـمؤمن والله أعظم من أكل الـحيتان . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، قال : كنت جالسا فـي الـمسجد ، فإذا شيخ قد جاء وجلس الناس إلـيه ، فقالوا : هذا من أصحاب عبد الله بن مسعود ، فقال : قال ابن مسعود : { وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ … } الآية ، قال : لـما حرّم علـيهم السبت كانت الـحيتان تأتـي يوم السبت ، وتأمن وتـجيء فلا يستطيعون أن يـمسُّوها ، وكان إذا ذهب السبت ذهبت ، فكانوا يتصيَّدُونَ كما يتصيَّد الناس . فلـما أرادوا أن يعدوا فـي السبت ، اصطادوا ، فنهاهم قوم من صالـحيهم ، فأبوا ، وكثَّرهم الفجار ، فأراد الفجار قتالهم ، فكان فـيهم من لا يشتهون قتاله ، أبو أحدهم وأخوه أو قريبه . فلـما نهوهم وأبوا ، قال الصالـحون : إنا نبـاينهم ، وإنا نـجعل بـيننا وبـينهم حائطا ففعلوا ، فلـما فقدوا أصواتهم ، قالوا : لو نظرتـم إلـى إخوانكم ما فعلوا فنظروا فإذا هم قد مسخوا قردة ، يعرفون الكبـير بكبره والصغير بصغره ، فجعلوا يبكون إلـيهم . وكان هذا بعد موسى صلى الله عليه وسلم .