Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 176-176)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولو شئنا لرفعنا هذا الذي آتـيناه آياتنا بآياتنا التـي آتـيناه ، { ولَكِنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأَرْضِ } يقول : سكن إلـى الـحياة الدنـيا فـي الأرض ومال إلـيها ، وآثر لذتها وشهواتها علـى الآخرة ، واتبع هواه ، ورفض طاعة الله وخالف أمره . وكانت قصة هذا الذي وصف الله خبره فـي هذه الآية ، علـى اختلاف من أهل العلـم فـي خبره وأمره ، ما : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر ، عن أبـيه ، أنه سئل عن الآية : { وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأَ الَّذِي آتَـيْناهُ آياتِنا فـانْسَلَـخَ مِنْها } فحدّث عن سيار أنه كان رجلاً يقال له بَلْعام ، وكان قد أوتـي النبوّة ، وكان مـجاب الدعوة . قال : وإن موسى أقبل فـي بنـي إسرائيـل يريد الأرض التـي فـيها بلعام أو قال الشام قال : فرعب الناس منه رعبـاً شديداً ، قال : فأتوا بَلْعاماً ، فقالوا ادع الله علـى هذا الرجل وجيشه قال : حتـى أؤامر ربـي أو حتـى أؤامر قال : فآمر فـي الدعاء علـيهم ، فقـيـل له : لا تدع علـيهم فإنهم عبـادي وفـيهم نبـيهم قال : فقال لقومه : إنـي آمرت ربـي فـي الدعاء علـيهم ، وإنـي قد نُهيت . قال : فأهدوا إلـيه هدية فَقبِلها . ثم راجعوه فقالوا : ادع علـيهم فقال : حتـى أؤامر ربـي . فآمر فلـم يأمره بشيء . قال : فقال : قد وامرت فلـم يأمرنـي بشيء ، فقالوا : لو كره ربك أن تدعو علـيهم لنهاك كما نهاك فـي الـمرّة الأولـى . قال : فأخذ يدعو علـيهم ، فإذا دعا علـيهم جرى علـى لسانه الدعاء علـى قومه وإذا أراد أن يدعو أن يُفْتَـح لقومه ، دعا أن يُفْتَـح لـموسى علـيه السلام وجيشه أو نـحواً من ذلك إن شاء الله . قال : فقالوا ما نراك تدعو إلاَّ علـينا . قال : ما يجري علـى لسانـي إلاَّ هكذا ، ولو دعوتُ علـيه ما استـجيب لـي ، ولكن سأدلكم علـى أمر عسى أن يكون فـيه هلاكهم إن الله يبغض الزنا ، وإنهم إن وقعوا بـالزنا هلكوا ، ورجوت أن يهلكهم الله ، فأخرِجوا النساء لتستقبلهم وإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فـيهلكوا . قال : ففعلوا وأخرجوا النساء تستقبلهم . قال : وكان للـملك ابنة ، فذكر من عظمها ما الله أعلـم به ، قال : فقال أبوها أو بَلْعام : لا تـمكنـي نفسك إلاَّ من موسى قال : ووقعوا فـي الزنا . قال : وأتاها رأس سبط من أسبـاط بنـي إسرائيـل ، فأرادها علـى نفسه ، قال : فقالت : ما أنا بـمـمكنة نفسي إلاَّ من موسى ، قال : فقال : إن من منزلتـي كذا وكذا ، وإن من حالـى كذا وكذا . قال : فأرسلت إلـى أبـيها تستأمره ، قال : فقال لها : مَكّنِـيهِ قال : ويأتـيهما رجل من بنـي هارون ومعه الرمـح فـيطعنهما ، قال : وأيَّده الله بقوّة فـانتظمهما جميعاً ، ورفعهما علـى رمـحه . قال : فرآهما الناس ، أو كما حدّث . قال : وسلط الله علـيهم الطاعون ، قال : فمات منهم سبعون ألفـا . قال : فقال أبو الـمعتـمر : فحدثنـي سيار أن بلعاما ركب حمارة له ، حتـى إذا أتـى الـمُعْلَوْلـي أو قال : طريقا من الـمعلولـي جعل يضربها ولا تتقدّم . قال : وقامت علـيه ، فقالت : علام تضربنـي ؟ أما ترى هذا الذي بـين يديك ؟ قال : فإذا الشيطان بـين يديه ، قال : فنزل فسجد له . قال الله : { وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأَ الَّذي آتَـيْناهُ آياتِنا فـانْسَلَـخَ مِنْها فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوِينَ … } إلـى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . قال : فحدثنـي بهذا سيَّار ، ولا أدري لعله قد دخـل فـيه شيء من حديث غيره . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر ، عن أبـيه ، قال : فبلغنـي حديث رجل من أهل الكتاب يحدّث أن موسى سأل الله أن يطبعه وأن يجعله من أهل النار . قال : ففعل الله . قال : أنبئت أن موسى قتله بعد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، عن سالـم أبـي النضر ، أنه حدث : أن موسى لـما نزل فـي أرض بنـي كنعان من أرض الشام أتـى قومُ بَلْعم إلـى بَلْعم ، فقالوا له : يا بلعم إن هذا موسى بن عمران فـي بنـي إسرائيـل ، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويُحِلها بنـي إسرائيـل ويسكنها ، وإنا قومك ، ولـيس لنا منزل ، وأنت رجل مـجاب الدعوة ، فـاخرج وادع الله علـيهم فقال : ويـلكم نبـيّ الله معه الـملائكة والـمؤمنون ، كيف أذهب أدعو علـيهم وأنا أعلـم من الله ما أعلـم ؟ قالوا : ما لنا من منزل . فلـم يزالوا به يرفعونه ويتضرّعون إلـيه حتـى فتنوه فـافتتن . فركب حمارة له متوجهاً إلـى الـجبل الذي يطلعه علـى عسكر بنـي إسرائيـل ، وهو جبل حسان فلـما سار علـيها غير كثـير ربضت به ، فنزل عنها ، فضربها ، حتـى إذا أذلقها قامت فركبها فلـم تَسر به كثـيراً حتـى ربضت به . ففعل بها مثل ذلك ، فقامت فركبها فلـم تسر به كثـيراً حتـى ربضت به . فضربها حتـى إذا أذلقها أذن الله لها ، فكلـمته حجة علـيه ، فقالت : ويحك يا بلعم أين تذهب ؟ أما ترى الـملائكة تردنـي عن وجهي هذا ؟ أتذهب إلـى نبـيّ الله والـمؤمنـين تدعو علـيهم فلـم ينزع عنها فضربها فخـلـى الله سبـيـلها حين فعل بها ذلك . قال : فـانطلقت به حتـى إذا أشرفت علـى رأس جبل حسان علـى عسكر موسى وبنـي إسرائيـل جعل يدعو علـيهم ولا يدعو علـيهم بشرّ إلاَّ صرف به لسانه إلـى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلاَّ صرف لسانه إلـى بنـي إسرائيـل . قال : فقال له قومه : أتدري يا بلعم ما تصنع ؟ إنـما تدعو لهم وتدعو علـينا قال : فهذا ما لا أملك ، هذا شيء قد غلب الله علـيه . قال : واندلع لسانه فوقع علـى صدره ، فقال لهم : قد ذهبت منـي الآن الدنـيا والآخرة ، فلـم يبق إلاَّ الـمكر والـحيـلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، حمِّلوا النساء وأعطوهنّ السِّلَع ، ثم أرسلوهنّ إلـى العسكر يبعنها فـيه ، ومروهنّ فلا تـمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنـي منهم واحد كُفـيتـموهم ففعلوا فلـما دخـل النساء العسكر مرّت امرأة من الكنعانـيـين اسمها كستـى بنت صور رأس أمته برجل من عظماء بنـي إسرائيـل ، وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم ، فقام إلـيها فأخذ بـيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل بها حتـى وقـف بها علـى موسى علـيه السلام فقال : إنـي أظنك ستقول هذه حرام علـيك ؟ فقال : أجَلْ هي حرام علـيك لا تقرَبْها قال : فوالله لا أطيعك فـي هذا ، فدخـل بها قبته فوقع علـيها . وأرسل الله الطاعون فـي بنـي إسرائيـل ، وكان فنـحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى ، وكان رجلاً قد أُعْطِي بسطة فـي الـخـلق وقوّة فـي البطش ، وكان غائبـاً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع . فجاء والطاعون يجوس فـي بنـي إسرائيـل ، فأخبر الـخبر ، فأخذ حربته ، وكانت من حديد كلها ، ثم دخـل علـيه القبة وهما متضاجعان ، فـانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلـى السماء ، والـحربة قد أخذها بذراعه ، واعتـمد بـمرفقه علـى خاصرته ، وأسند الـحربة إلـى لَـحيـيه ، وكان بكر العيزار ، وجعل يقول : اللهمّ هكذا نفعل بـمن يعصيك ورُفع الطاعون ، فحُسب من هلك من بنـي إسرائيـل فـي الطاعون ، فـيـما بـين أن أصاب زمري الـمرأة إلـى أن قتله فنـحاص ، فوُجدوا قد هلك منهم سبعون ألفـاً ، والـمقلل يقول : عشرون ألفـاً فـي ساعة من النهار . فمن هنالك يعطى بنو إسرائيـل ولد فنـحاص بن العيزار بن هارون من كلّ ذبـيحة ذبحوها الفشة والذراع واللَّـحْي ، لاعتـماده بـالـحربة علـى خاصرته وأخذه إياها بذراعه وإسناده إياها إلـى لـحيـيه ، والبكر من كلّ أموالهم وأنفسهم ، لأنه كان بكر العيزار . ففـي بلعم بن بـاعورا أنزل الله علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم : { وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأَ الَّذِي آتَـيْناهُ آياتِنا فـانْسَلَـخَ مِنْها } يعنـي بلعم ، { فأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوِينَ … } إلـى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : انطلق رجل من بنـي إسرائيـل يقال له بَلْعم ، فأتـى الـجبـارين فقال : لا ترهبوا من بنـي إسرائيـل ، فإنـي إذا خرجتـم تقاتلونهم أدعو علـيهم فخرج يوشع يقاتل الـجبـارين فـي الناس . وخرج بلعم مع الـجبـارين علـى أتانه وهو يريد أن يـلعن بنـي إسرائيـل ، فكلـما أراد أن يدعو علـى بنـي إسرائيـل دعا علـى الـجبـارين ، فقال الـجبـارون : إنك إنـما تدعو علـينا فـيقول : إنـما أردت بنـي إسرائيـل . فلـما بلغ بـاب الـمدينة أخذ ملك بذنب الأتان ، فأمسكها فجعل يحرّكها فلا تتـحرّك ، فلـما أكثر ضربها تكلـمت فقالت : أنت تنكحنـي بـاللـيـل وتركبنـي بـالنهار ؟ ويـلـي منك ولو أنـي أطقت الـخرج لـخرجت ، ولكن هذا الـملك يحبسنـي . وفـي بَلْعم يقول الله : { وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأَ الَّذِي آتَـيْناهُ آياتِنا … } الآية . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنـي رجل سمع عكرمة ، يقول : قالت امرأة منهم : أرونـي موسى ، فأنا أفتنه قال : فتطيبتْ ، فمرّت علـى رجل يشبه موسى ، فواقعها ، فأتـى ابن هارون فأُخبر ، فأخذ سيفـاً ، فطعن به فـي إحلـيـله حتـى أخرجه من قبلها ، ثم رفعهما حتـى رآهما الناس ، فعلـم أنه لـيس موسى ، ففُضِّل آل هارون فـي القربـان علـى آل موسى بـالكَتِف والعَضُد والفخذ ، قال : فهو الذي آتـيناه آياتنا فـانسلـخ منها ، يعنـي بلعم . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } فقال بعضهم : معناه : لرفعناه بعلـمه بها . ذكر من قال ذلك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } لرفعه الله تعالـى بعلـمه . وقال آخرون : معناه لرفعنا عنه الـحال التـي صار إلـيها من الكفر بـالله بآياتنا . ذكر من قال ذلك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نُـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } : لرفعنا عنه بها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } : لرفعناه عنه . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله عمّ الـخبر بقوله : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } أنه لو شاء رفعه بآياته التـي آتاه إياها . والرفع يعمّ معانـي كثـيرة ، منها الرفع فـي الـمنزلة عنده ، ومنها الرفع فـي شرف الدنـيا ومكارمها . ومنها الرفع فـي الذكر الـجميـل والثناء الرفـيع . وجائز أن يكون الله عنى كلّ ذلك أنه لو شاء لرفعه ، فأعطاه كلّ ذلك بتوفـيقه للعمل بآياته التـي كان آتاها إياه . وإذ كان ذلك جائزا ، فـالصواب من القول فـيه أن لا يُخَصّ منه شيء ، إذ كان لا دلالة علـى خصوصه من خبر ولا عقل . وأما قوله : { بِها } فإن ابن زيد قال فـي ذلك كالذي قلنا . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بها } بتلك الآيات . وأما قوله : { وَلَكِنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأرْض } فإن أهل التأويـل قالوا فـيه نـحو قولنا فـيه . ذكر من قال ذلك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن إسرائيـل ، عن أبـي الهيثم ، عن سعيد بن جبـير : { وَلَكنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأرْضِ } يعنـي : ركن إلـى الأرض . قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سالـم ، عن سعيد بن جبـير : { وَلَكِنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأرْض } قال : نزع إلـى الأرض . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : أخـلد : سكن . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو تُـمَيـلة ، عن أبـي حمزة ، عن جابر ، عن مـجاهد وعكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كان فـي بنـي إسرائيـل بلعام بن بـاعر أوتـي كتابـا ، فأخـلد إلـى شهوات الأرض ولذتها وأموالها ، لـم ينتفع بـما جاء به الكتاب . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَلَكِنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأرْض وَاتَّبَع هَوَاهُ } أما أخـلد إلـى الأرض : فـاتبع الدنـيا ، وركن إلـيها . وأصل الإخلاد فـي كلام العرب : الإبطاء والإقامة ، يقال منه : أخـلد فلان بـالـمكان إذا أقام به وأخـلد نفسه إلـى الـمكان إذا أتاه من مكان آخر ، ومنه قول زهير : @ لَـمن الدّيارُ غَشِيتُها بـالغَرْقَد كالوَحْي فـي حَجَر الـمَسِيـل الـمُخْـلِدِ @@ يعنـي الـمقـيـم ، ومنه قول مالك بن نُوَيْرة : @ بأبْناءِ حَيَ مِنْ قَبـائِلِ مالِكٍ وَعمْرِو بن يَرْبُوعٍ أقامُوا فأخْـلَدوا @@ وكان بعض البصريـين يقول : معنى قوله : أخـلد : لزم وتقاعس وأبطأ ، والـمخـلد أيضاً : هو الذي يبطىء شيبه من الرجال ، وهو من الدوابّ الذي تبقـى ثناياه حتـى تـخرج ربـاعيتاه . وأما قوله { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فإن ابن زيد قال فـي تأويـله ما : حدثنـي به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } قال : كان هواه مع القوم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ أوْ تَترُكْهُ يَـلْهَثْ } . يقول تعالـى ذكره : فمثل هذا الذي آتـيناه آياتنا فـانسلـخ منها ، مثل الكلب الذي يـلهث ، طردته أو تركته . ثم اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله جعل الله مثله كمثل الكلب فقال بعضهم : مثَّله به فـي اللهث لتركه العمل بكتاب الله وآياته التـي آتاها إياه وإعراضه عن مواعظ الله التـي فـيها إعراض من لـم يؤته الله شيئاً من ذلك ، فقال جلّ ثناؤه فـيه : إذا كان سواء أمره وعظ بآيات الله التـي آتاها إياه ، أو لـم يوعظ فـي أنه لا يتعظ بها ، ولا يترك الكفر به ، فمثله مثل الكلب الذي سواء أمره فـي لهثه ، طرد أو لـم يطرد ، إذ كان لا يترك اللهث بحال . ذكر من قال ذلك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ } قال : تطرده ، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مـجاهد : { فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ } قال : تطرده بدابتك ورجلك يـلهث ، قال : مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بـما فـيه . قال ابن جريج : الكلب منقطع الفؤاد ، لا فؤاد له ، إن حملت علـيه يـلهث ، أو تتركه يـلهث . قال : مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له ، إنـما فؤاده منقطع . حدثنـي ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن توبة ، عن معمر ، عن بعضهم : { فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَـلْهَثْ } فذلك هو الكافر ، هو ضالّ إن وعظته وإن لـم تعظه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ } الـحكمة لـم يحملها ، وإن ترك لـم يهتد لـخير ، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن طُرد لهث . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قال : آتاه الله آياته فتركها ، فجعل الله مثله كمثل الكلب ، إن تـحمل علـيه يـلهث ، أو تتركه يـلهث . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قِتادة : { وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأَ الَّذِي آتَـيْناهُ آياتِنا فـانْسَلَـخَ مِنْها فأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ … } الآية ، هذا مثل ضربه الله لـمن عرض علـيه الهدى ، فأبى أن يقبله وتركه . قال : وكان الـحسن يقول : هو الـمنافق . { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أخْـلَدَ إلـى الأرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كمَثَل الكَلْب إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَـلْهَثْ } قال : هذا مثل الكافر ميت الفؤاد . وقال آخرون : إنـما مثَّله جلّ ثناؤه بـالكلب لأنه كان يـلهث كما يـلهث الكلب . ذكر من قال ذلك . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَـحْمِلْ عَلَـيْهِ يَـلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَـلْهَثْ } وكان بلعم يـلهث كما يـلهث الكلب . وأما تـحمل علـيه : فتشدّ علـيه . قال : أبو جعفر : وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال : إنـما هو مثل لتركه العمل بآيات الله التـي آتاها إياه ، وأن معناه : سواء وعظ أو لـم يوعظ فـي أنه لا يترك ما هو علـيه من خلافه أمر ربه ، كما سواء حمل علـى الكلب أو طرد أو ترك فلـم يطرد فـي أنه لا يدع اللهث فـي كلتا حالتـيه . وإنـما قلنا ذلك أولـى القولـين بـالصواب لدلالة قوله تعالـى ذلك : { مَثَلُ القَوم الَّذينَ كَذَّبُوا بآياتِنا } فجعل ذلك مثل الـمكذّبـين بآياته . وقد علـمنا أن اللهاث لـيس فـي خـلقة كلّ مكذّب كتب علـيه ترك الإنابة من تكذيب بآيات الله ، وأن ذلك إنـما هو مثل ضربه الله لهم ، فكان معلوماً بذلك أنه للذي وصف الله صفته فـي هذه الآية ، كما هو لسائر الـمكذّبـين بآيات الله مَثَل . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ذلكَ مَثَلُ القَوْم الَّذينَ كَذَّبُوا بآياتِنا فـاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . يقول تعالـى ذكره : هذا الـمثل الذي ضربته لهذا الذي آتـيناه آياتنا فـانسلـخ منها ، مثل القوم الذين كذّبوا بحججنا وأعلامنا وأدلتنا ، فسلكوا فـي ذلك سبـيـل هذا الـمنسلـخ من آياتنا الذي آتـيناها إياه فـي تركه العمل بـما آتـيناه من ذلك . وأما قوله : { فـاقْصُصِ القَصَصَ } فإنه يقول لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : فـاقصص يا مـحمد هذا القصص الذي قصصته علـيك من نبإ الذي آتـيناه آياتنا ، وأخبـار الأمـم التـي أخبرتك أخبـارهم فـي هذه السورة وقصصت علـيك نبأهم ونبأ أشبـاههم ، وما حلّ بهم من عقوبتنا ونزل بهم ، حين كذّبوا رسلنا من نقمتنا علـى قومك من قريش ومَنْ قِبَلَك من يهود بنـي إسرائيـل ، لـيتفكروا فـي ذلك فـيعتبروا وينـيبوا إلـى طاعتنا ، لئلا يحل بهم مثل الذي حلّ بـمن قبلهم من النقم والـمثلات ، ويتدبره الـيهود من بنـي إسرائيـل فـيعلـموا حقـيقة أمرك وصحة نبوّتك ، إذ كان نبأ الذي آتـيناه آياتنا من خفـيّ علومهم ومكنون أخبـارهم لا يعلـمه إلاَّ أحبـارهم ومن قرأ الكتب ودرسها منهم ، وفـي علـمك بذلك وأنت أمي لا تكتب ولا تقرأ ولا تدرس الكتب ولـم تـجالس أهل العلـم الـحجةُ البـينة لك علـيهم بأنك لله رسول ، وأنك لـم تعلـم ما علـمت من ذلك ، وحالك الـحال التـي أنت بها إلاَّ بوحي من السماء . وبنـحو ذلك كان أبو النضر يقول . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد ، عن سالـم أبـي النضر : { فـاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } يعنـي : بنـي إسرائيـل ، إذ قد جئتهم بخبر ما كان فـيهم مـما يخفون علـيك ، لعلهم يتفكرون ، فـيعرفون أنه لـم يأت بهذا الـخبر عما مضى فـيهم إلاَّ نبـيّ يأتـيه خبر السماء .