Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 190-190)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فلـما رزقهما الله ولداً صالـحاً كما سألا جعلا له شركاء فـيـما آتاهما ورزقهما . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الشركاء التـي جعلاها فـيـما أوتـيا من الـمولود ، فقال بعضهم : جعلا له شركاء فـي الاسم . ذكر من قال ذلك . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال ثنا عمر بن إبراهيـم ، عن قتادة ، عن الـحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " كانَتْ حَوَّاءُ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ ، فَنَذَرَتْ لَئِنْ عاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمِّيَنه عَبْدَ الـحَرْثِ ، فعاشَ لَهَا وَلَدٌ ، فَسَمّتْهُ عَبْدَ الـحَرْثِ ، وإنَّـمَا كانَ ذلكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطانِ " حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا معتـمر ، عن أبـيه ، قال : ثنا أبو العلاء ، عن سَمُرة بن جندب : أنه حدث أن آدم علـيه السلام سمى ابنه عبد الـحرث . قال : ثنا الـمعتـمر ، عن أبـيه ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن سلـيـمان التـيـمي ، عن أبـي العلاء بن الشِّخيِّر ، عن سمرة بن جندب ، قال : سمى آدم ابنه : عبد الـحرث . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن داود بن الـحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كانت حوّاء تلد لآدم ، فتعبِّدهم لله ، وتسميه عبد الله وعُبـيد الله ونـحو ذلك ، فـيصيبهم الـموت ، فأتاها إبلـيسُ وآدمَ ، فقال : إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش فولدت له رجلاً ، فسماه عبد الـحرث ، ففـيه أنزل الله تبـارك وتعالـى : { هُوَ الَّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ … } إلـى قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } … إلـى آخر الآية . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله فـي آدم : { هُوَ الذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ … } إلـى قوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } فشكّت أحبلت أم لا ؟ { فَلَـمَّا أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحاً … } الآية ، فأتاهما الشيطان فقال : هل تدريان ما يولد لكما أم هل تدريان ما يكون أبهيـمة تكون أم لا ؟ وزين لهما البـاطل إنه غويّ مبـين . وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا ، فقال لهما الشيطان : إنكما إن لـم تسمياه بـي لـم يخرج سويًّا ومات كما مات الأوّلان فسميا ولديهما عبد الـحرث فذلك قوله : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالِـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا … } الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : لـما وُلد له أوّل ولد ، أتاه إبلـيس فقال : إنـي سأنصح لك فـي شأن ولدك هذا تسميه عبد الـحرث فقال آدم : أعوذ بـالله من طاعتك قال ابن عبـاس : وكان اسمه فـي السماء الـحرث . قال آدم : أعوذ بـالله من طاعتك إنـي أطعتك فـي أكل الشجرة ، فأخرجتنـي من الـجنة ، فلن أطيعك . فمات ولده ، ثم وُلد له بعد ذلك ولد آخر ، فقال : أطعنـي وإلاَّ مات كما مات الأوّل فعصاه ، فمات ، فقال : لا أزال أقتلهم حتـى تسميه عبد الـحرث . فلـم يزل به حتـى سماه عبد الـحرث ، فذلك قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } : أشركه فـي طاعته فـي غير عبـادة ، ولـم يُشرك بـالله ، ولكن أطاعه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن هارون ، قال : أخبرنا الزبـير بن الـخريت ، عن عكرمة ، قال : ما أشرك آدمُ ولا حوّاء ، وكان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان فقال : إن سرّكما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الـحرث فهو قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فَلَـمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـاً } قال : كان آدم علـيه السلام لا يولد له ولد إلاَّ مات ، فجاءه الشيطان ، فقال : إن سرّك أن يعيش ولدك هذا ، فسميه عبد الـحرث ففعل ، قال : فأشركا فـي الاسم ولـم يُشركا فـي العبـادة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } ذُكر لنا أنه كان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان ، فقال لهما : سمياه عبد الـحرث وكان من وحي الشيطان وأمره ، وكان شركا فـي طاعته ، ولـم يكن شركا فـي عبـادته . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالِـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال : كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد ، فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما ولد ، فسمياه عبد الـحرث ففعلا وأطاعاه ، فذلك قول الله : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالِـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ … } الآية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن سالـم بن أبـي حفصة ، عن سعيد بن جبـير ، قوله : { أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما … } إلـى قوله تعالـى : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال : لـما حملت حوّاء فـي أوّل ولد ولدته حين أثقلت ، أتاها إبلـيس قبل أن تلد ، فقال : يا حوّاء ما هذا الذي في بطنك ؟ فقالت : ما أدري . فقال : من أين يخرج ؟ من أنفك ، أو من عينك ، أو من أذنك ؟ قالت : لا أدري . قال : أرأيت إن خرج سلـيـماً أتطيعينـي أنت فـيـما آمرك به ؟ قالت : نعم . قال : سميه عبد الـحرث وقد كان يسمى إبلـيس الـحرث ، فقالت : نعم . ثم قالت بعد ذلك لآدم : أتانـي آت فـي النوم فقال لـي كذا وكذا ، فقال : إن ذلك الشيطان فـاحذريه ، فإنه عدوّنا الذي أخرجنا من الـجنة ثم أتاها إبلـيس ، فأعاد علـيها ، فقالت : نعم . فلـما وضعته أخرجه الله سلـيـماً ، فسمته عبد الـحرث ، فهو قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير وابن فضيـل ، عن عبد الـملك ، عن سعيد بن جبـير ، قال : قـيـل له : أشرك آدم ؟ قال : أعوذ بـالله أن أزعم أن آدم أشرك ولكن حوّاء لـما أثقلت ، أتاها إبلـيس فقال لها : من أين يخرج هذا ، من أنفك أو من عينك أو من فـيك ؟ فقنطها ، ثم قال : أرأيت إن خرج سويًّا زاد ابن فضيـل لـم يضرّك ولـم يقتلك أتطيعينـي ؟ قالت : نعم . قال : فسميه عبد الـحرث ففعلت . زاد جرير : فإنـما كان شركة فـي الاسم . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : فولدت غلاماً ، يعنـي حوّاء ، فأتاهما إبلـيس فقال : سموه عبدي وإلاَّ قتلته قال له آدم علـيه السلام : قد أطعتك وأخرجتنـي من الـجنة ، فأبى أن يطيعه ، فسماه عبد الرحمن ، فسلط الله علـيه إبلـيس فقتله . فحملت بآخر فلـما ولدته قال لها : سميه عبدي وإلاَّ قتلته قال له آدم : قد أطعتك فأخرجتنـي من الـجنة . فأبى ، فسماه صالـحاً فقتله . فلـما أن كان الثالث ، قال لهما : فإذا غُلبتـم فسموه عبد الـحرث وكان اسمَ إبلـيس وإنـما سمي إبلـيس حين أُبلس . ففعلوا ، فذلك حين يقول الله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } يعنـي فـي التسمية . وقال آخرون : بل الـمعنـيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بنـي آدم جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما مـا رزقهما من الولد . وقالوا : معنى الكلام : هو الذي خـلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها لـيسكن إلـيها ، فلـما تغشاها : أي هذا الرجل الكافر ، حملت حملاً خفـيفـاً ، فلـما أثقلت دعوتـما الله ربكما . قالوا : وهذا مـما ابتدىء به الكلام علـى وجه الـخطاب ، ثم ردّ إلـى الـخبر عن الغائب ، كما قـيـل : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِـي البَرّ والبَحْرِ حتـى إذَا كُنْتُـمْ فِـي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } وقد بـيَّنا نظائر ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل . ذكر من قال ذلك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الـحسن : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } قال : كان هذا فـي بعض أهل الـملل ، ولـم يكن بآدم . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الـحسن : عنـي بهذا ذرية آدم ، من أشرك منهم بعده . يعنـي بقوله : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالِـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الـحسن يقول : هم الـيهود والنصارى ، رزقهم الله أولاداً فهوّدوا ونصروا . قال أبو جعفر : وأولـى القولـين بـالصواب قول من قال : عنـي بقوله : { فَلَـمَّا آتاهُمَا صَالِـحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ } فـي الاسم لا فـي العبـادة ، وأن الـمعنـيّ بذلك آدم وحوّاء لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك . فإن قال قائل : فما أنت قائل إذ كان الأمر علـى ما وصفت فـي تأويـل هذه الآية ، وأن الـمعنـيّ بها آدم وحوّاء فـي قوله : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له فـي الأسماء شريك أو فـي العبـادة ؟ فإن قلت فـي الأسماء دلّ علـى فساده قوله : { أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْـلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْـلَقُون } وإن قلت فـي العبـادة ، قـيـل لك : أفكان آدم أشرك فـي عبـادة الله غيره ؟ قـيـل له : إن القول فـي تأويـل قوله : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } لـيس بـالذي ظننت ، وإنـما القول فـيه : فتعالـى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان . فأما الـخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } ثم استؤنف قوله : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . كما : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يقول : هذه فصل من آية آدم خاصة فـي آلهة العرب . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { شُرَكاءَ } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الـمكيـين والكوفـيـين : « جَعَلا لَهُ شِرْكاً » بكسر الشين ، بـمعنى الشركة . وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفـيـين وبعض البصريـين : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ } بضمّ الشين ، بـمعنى جمع شريك . وهذه القراءة أولـى القراءتـين بـالصواب ، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين لوجب أن يكون الكلام : فلـما آتاهما صالـحاً جعلا لغيره فـيه شركاً لأن آدم وحوّاء لـم يَدينا بأن ولدهما من عطية إبلـيس ثم يجعلا لله فـيه شركاً لتسميتهما إياه بعبد الله ، وإنـما كانا يدينان لا شكّ بأن ولدهما من رزق الله وعطيته ، ثم سمياه عبد الـحرث ، فجعلا لإبلـيس فـيه شركاً بـالاسم ، فلو كانت قراءة من قرأ : « شِرْكاً » صحيحة وجب ما قلنا أن يكون الكلام : جعلا لغيره فـيه شركاً ، وفـي نزول وحي الله بقوله : { جَعَلا لَهُ } ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة : { شُرَكاءَ } بضم الشين علـى ما بـينت قبل . فإن قال قائل : فإن آدم وحوّاء إنـما سميا ابنهما عبد الـحرث ، والـحرث واحد ، وقوله : { شُرَكاءَ } جماعة ، فكيف وصفهما جلّ ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء ، وإنـما أشركا واحداً ؟ قـيـل : قد دللنا فـيـما مضى علـى أن العرب تـخرج الـخبر عن الواحد مخرج الـخبر عن الـجماعة إذا لـم تقصد واحدا بعينه ولـم تسمه ، كقوله : { الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وإنـما كان القائل ذلك واحداً ، فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن الـجماعة ، إذ لـم يقصد قصده ، وذلك مستفـيض فـي كلام العرب وأشعارها . وأما قوله : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فتنزيه من الله تبـارك وتعالـى نفسه ، وتعظيـم لها عما يقول فـيه الـمبطلون ويدعون معه من الآلهة والأوثان . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال : هو الإنكاف ، أنكف نفسه جلّ وعزّ ، يقول : عظم نفسه ، وأنكفته الـملائكة وما سبح له . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيـينة ، قال : سمعت صدقة يحدّث عن السديّ ، قال : هذا من الـموصول والـمفصول قوله : { جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا } فـي شأن آدم وحوّاء ، ثم قال الله تبـارك وتعالـى : { فَتَعالـى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال : عما يشرك الـمشركون ، ولـم يعنهما .