Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت ، ويحرّمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق : { مَنْ حَرَّمَ } أيها القوم عليكم { زِينَةَ اللّهِ } التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها ، والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم . واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالطيبات من الرزق بعد إجماعهم على أن الزينة ما قلنا ، فقال بعضهم : الطيبات من الرزق في هذا الموضع : اللحم ، وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم . ذكر من قال ذلك منهم : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } وهو الودك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } الذي حرّموا على أنفسهم ، قال : كانوا إذا حجوا أو اعتمروا حرّموا الشاة عليهم وما يخرج منها . وحدثني به يونس مرّة أخرى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال بن زيد ، في قوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ } … إلى آخر الآية ، قال : كان قوم يحرّمون ما يخرج من الشاة لبنها وسمنها ولحمها ، فقال الله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ } قال : والزينة من الثياب . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن ، قال : لما بعث محمداً فقال : هذا نبيي هذا خياري ، استنّوا به خذوا في سنته وسبيله لم تُغلق دونه الأبواب ولم تُقم دونه الحُجُب ، ولم يغد عليه بالجبار ولم يرجع عليه بها . وكان يجلس بالأرض ، ويأكل طعامه بالأرض ، ويلعق يده ، ويلبس الغليظ ، ويركب الحمار ، ويردف عبده ، وكان يقول : « مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » . قال الحسن : فما أكثر الراغبين عن سنته التاركين لها ، ثم عُلوجاً فسَّاقاً ، أكلة الربا والغلول ، قد سفههم ربي ومقتهم ، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت ، يتأوّلون هذه الآية : { قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِن الرّزْقِ } وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان ، قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه من كلام لم يحفظه سفيان . وقال آخرون : بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرّم من البحائر والسوائب . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرّزقِ } وهو ما حرّم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم : البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } قال : إن الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله : قُلْ أرأيْتُمْ ما أنْزَلَ الله لَكُم مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً وهو هذا ، فأنزل الله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ } . القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } . يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم { مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِن الرّزْقِ } إذ عيوا بالجواب فلم يدروا ما يجيبونك : زينة الله التي أخرج لعباده ، وطيبات رزقه للذين صدّقوا الله ورسوله ، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك في الدنيا ، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه ، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة ، لا يشركهم في ذلك يومئذٍ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } يقول : شارك المسلمون الكفار في الطيِّبات ، فأكلوا من طيبات طعامها ، ولبسوا من خيار ثيابها ، ونكحوا من صالح نسائها ، وخلصوا بها يوم القيامة . وحدثني به المثنى مرّة أخرى بهذا الإسناد بعينه ، عن ابن عباس ، فقال : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنَيا } يعني : يشارك المسلمون المشركين في الطيِّبات في الحياة الدنيا ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِي للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياة الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القيامةِ } يقول : قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا ، لا يشركهم فيها أحد وذلك أن الزينة في الدنيا لكلّ بني آدم ، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : { قُلْ هِيَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } قال : اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا ، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : { قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } خالصة للمؤمنين في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفار ، فأما في الدنيا فقد شاركوهم . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة ، ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { قُل هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا } يشترك فيها معهم المشركون ، { خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ } للذين آمنوا . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرّزقِ قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ } يقول : المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب ، ويوم القيامة يُخَلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين ، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر ، ويخلص خير الآخرة للمؤمنين ، وليس للكافر فيها نصيب . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } قال : هذه يوم القيامة للذين آمنوا ، لا يشركهم فيها أهل الكفر ويشركونهم فيها فِي الدنيا ، وإذا كان يوم القيامة فليس لهم فيها قليل ولا كثير . وقال سعيد بن جبير في ذلك ، بما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان وحيوية الرازي أبو يزيد عن يعقوب القمي ، عن سعيد بن جبير : { قُلَ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ } قال : ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها . واختلفت القرّاء في قراءة قوله « خالصة » ، فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة : « خالِصَةٌ » برفعها ، بمعنى : قل هي خالصة للذين آمنوا . وقرأه سائر قرّاء الأمصار : { خالصَةً } بنصبها على الحال من لهم ، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها ، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام : قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة ، وهي لهم الآخرة خالصة . ومن قال ذلك بالنصب جعل خبر « هي » في قوله : { للَّذِينَ آمَنُوا } . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي بالصحة قراءة من قرأ نصباً ، لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة وإن كان الرفع جائزاً ، غير أن ذلك أكثر في كلامهم . القول في تأويل قوله تعالى : { كَذَلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . يقول تعالى ذكره : كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها ، وميزت بين ذلك لكم أيها الناس ، كذلك أبين جميع أدلتي وحججي وأعلام حلالي وحرامي وأحكامي لقوم يعلمون ما يبين لهم ويفقهون ما يميز لهم .