Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 56-56)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني تعالى ذكره بقوله : { وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها } لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها وذلك هو الفساد فيها . وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى وبيَّنا معناه بشواهده . { بعدَ إصْلاحِها } يقول : بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحقّ ، وإيضاحه حججه لهم . { وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } يَقُولُ : وأخلصوا له الدعاء والعمل ، ولا تشركوا في عملكم له شيئاً غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك ، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك فهو بالآخرة من المكذّبين ، لأن من لم يخف عقاب الله ولم يَرْج ثوابه لم يبال ما ركب من أمر يسخطه الله ولا يرضاه . { إنَّ رَحمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ } يقول تعالى ذكره : إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا قريب منهم . وذلك هو رحمته لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من كرامته ، إلاَّ أن تفارق أرواحهم أجسادهم ولذلك من المعنى ذكر قوله : { قَريبٌ } وهو من خبر الرحمة والرحمة مؤنثة ، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النسب والأوقات بذلك المعنى ، إذا رفعت أخباراً للأسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحدتها مع الواحد والاثنين والجميع وذكَّرتها مع المؤنث ، فقالوا : كرامة الله بعيد من فلان ، وهي قريب من فلان ، كما يقولون : هند قريب منا ، والهندان منا قريب ، والهندات منا قريب ، لأن معنى ذلك : هي في مكان قريب منا ، فإذا حذفوا المكان وجعلوا القريب خلفاً منه ، ذكروه ووحدوه في الجمع ، كما كان المكان مذكراً وموحداً في الجمع . وأما إذا أنثوه أخرجوه مثنى مع الاثنين ومجموعاً مع الجميع فقالوا : هي قريبة ، منا ، وهما منا قريبتان ، كما قال عروة بن الورد : @ عَشِيَّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ فَتَدْنُو وَلا عَفْراءُ مِنْكَ بَعِيدُ @@ فأنَّث قريبة ، وذكَّر بعيداً على ما وصفت . ولو كان القريب من القرابة في النسب لم يكن مع المؤنث إلاَّ مؤنثاً ومع الجمع إلاَّ مجموعاً . وكان بعض نحويي البصرة يقول : ذُكِّر قريب وهو صفة للرحمة ، وذلك كقول العرب : ريح خريق ، وملحفة جديد ، وشاة سديس . قال : وإن شئت قلت : تفسير الرحمة ههنا المطر ونحوه ، فلذلك ذكر كما قال : { وَإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا } فذكَّر لأنه أراد الناس ، وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث ، كقول الشاعر : @ وَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقالَهَا @@ وقد أنكر ذلك من قيله بعض أهل العربية ، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكر قريباً توجيهاً منه للرحمة إلى معنى المطر أن يقول : هند قام ، توجيهاً منه لهند وهي امرأة إلى معنى إنسان ، ورأى أن ما شبه به قوله : { إنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ } بقوله : { وإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنوا } غير مشبهة ، وذلك أن الطائفة فيما زعم مصدر بمعنى الطيف ، كما الصيحة والصياح بمعنى ، ولذلك قيل : وأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ .