Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 58-58)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : والبلد الطيبة تربته العذبة مشاربه ، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا بإذنه طيباً ثمره في حينه ووقته . { وَالَّذِي خَبُثَ } فردؤت تربته وملحت مشاربه ، { لا يَخْرُجُ } نباته { إلاَّ نَكِداً } يقول : إلاَّ عسراً في شدّة ، كما قال الشاعر : @ لا تُنْجِرُ الوَعْدَ إنْ وَعَدْتَ وَإنْ أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تافِهاً نَكِدَا @@ يعني بالتافه : القليل ، وبالنكد ، العسر ، يقال منه : نَكِدَ يَنْكَدُ نَكَداً ونَكْداً ، فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ ، والنكد المصدر ، ومن أمثالهم نَكْداً وجَحْداً ونُكْداً وجُحْداً ، والجحد : الشدّة والضيق ، ويقال إذا شفه وسئل قد نكدوه ينكَدونه نَكْداً ، كما قال الشاعر : @ وأعْطِ ما أعْطَيْتَهُ طَيِّباً لا خيرَ في المَنْكُودِ والنَّاكِدِ @@ واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأه بعض أهل المدينة : « إلاَّ نَكَداً » بفتح الكاف . وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف : « نَكْداً » . وخالفهما بعد سائر القرّاء في الأمصار ، فقرأوه : { إلاَّ نَكِداً } بكسر الكاف . كأن من قرأه : « نَكَداً » بنصب الكاف أراد المصدر ، وكأن من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها فسكنها على لغة من قال : هذه فخْذ وكتْد ، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر النون من « نكد » حتى يكون قد أصاب القياس . قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه : { نَكِداً } بفتح النون وكسر الكاف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه . وقوله : { كذلكَ نُصَرّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } يقول : كذلك نبين آية بعد آية ، وندلي بحجة بعد حجة ، ونضرب مثلاً بعد مثل ، لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة ، باتباعهم ما أمرهم باتباعه وتجنبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة . وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه مثل للمؤمن ، والذي خبث فلا يخرج نباته إلا نَكداً مثل للكافر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح عن عليّ عن ابن عباس قوله : { وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ باذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً } فهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، يقول : هو طيب وعمله طيب كما البلد الطيب ثمره طيب . ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبِخة المالحة التي لا تخرج منها البرَكة ، فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ … والَّذِي خَبُثَ } قال : كلّ ذلك من أرض السباخ وغيرها مثل آدم وذرّيته ، فيهم طيب وخبيث . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ باذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً } قال : هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد ، يعني ابن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ باذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ } هي السبخة { لا يَخْرُجُ } نباتها { إلاَّ نَكِداً } . والنكِد : الشيء القليل الذي لا ينفع كذلك القلوب لما نزل القرآن ، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به ، وثبت الإيمان فيه والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه ، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلاَّ ما لا ينفع ، كما لم يخرج هذا البلد إلاَّ ما لا ينفع من النبات . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد ، عن مجاهد : { وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً } قال : الطيب ينفعه المطر فينبت ، والذي خبث السباخ لا ينفعه المطر لا يخرج نباته إلاَّ نكداً ، قال : هذا مثل ضربه الله لآدم وذرّيته كلهم ، إنما خلقوا من نفس واحدة ، فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبُث .