Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-5)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال أبو جعفر : اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { سأَلَ سائِلٌ } فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة : { سأَلَ سائِلٌ } بهمز سأل سائل ، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله ، بمن هو واقع وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة : « سال سائِلٌ » فلم يهمز سأل ، ووجهه إلى أنه فعل من السيل . والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك ، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه . ذكر من تأوّل ذلك كذلك ، وقال تأويله نحو قولنا فيه : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { سألَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ } قال : ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد { إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ … } الآية ، قال { سأَلَ سائِلٌ بعَذَابِ وَاقِعٍ } . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قول الله : سأَلَ سائِلٌ قال : دعا داع { بعذاب وَاقِعٍ } : يقع في الآخرة ، قال : وهو قولهم : { اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { سأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ } قال : سأل عذاب الله أقوام ، فبين الله على من يقع على الكافرين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { سأَلَ سائِلٌ } قال : سأل عن عذاب واقع ، فقال الله : { للْكافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } . وأما الذين قرأوا ذلك بغير همز ، فإنهم قالوا : السائل واد من أودية جهنم . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : « سأل سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ » قال : قال بعض أهل العلم : هو واد في جهنم يقال له سائل . وقوله : { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ } يقول : سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم . ومعنى { للْكافِرِينَ } على الكافرين ، كالذي : حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ } يقول : واقع على الكافرين واللام في قوله { للْكافِرِينَ } من صلة الواقع . وقوله : { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي المَعَارِجٍ } يقول تعالى ذكره : ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم . وقوله : { ذِي المَعارِجِ } يعني : ذا العلوّ والدرجات والفواضل والنعم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { ذِي المَعارِج } يقول : العلوّ والفواضل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ } : ذي الفواضل والنِّعم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ } قال معارج السماء . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { ذِي المَعارِجِ } قال : الله ذو المعارج . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس { ذِي المَعارِجِ } قال : ذي الدرجات . وقوله : { تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } يقول تعالى ذكره : تصعد الملائكة والروح ، وهو جبريل عليه السلام إليه ، يعني إلى الله جلّ وعزّ والهاء في قوله : إلَيْهِ عائدة على اسم الله في { يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } يقول : كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة ، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد { في يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة ، يعني بذلك نزل الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقداره ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض ، مسيرة خمسمائة عام . وقال آخرون : بل معنى ذلك : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه ، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن عكرِمة { فِي يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } قال : في يوم واحد يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سماك ، عن عكرِمة { فِي يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } قال : يوم القيامة . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرِمة في هذه الآية { خَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ } قال : يوم القيامة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْه فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } : ذاكم يوم القيامة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال معمر : وبلغني أيضاً ، عن عكرِمة ، في قوله : { مقدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } لا يدري أحدٌ كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } فهذا يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } يعني يوم القيامة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فِي يَوْمٍ كانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } قال : هذا يوم القيامة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن درّاجاً حدّثه عن أبي الهيثم عن سعيد ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ } ما أطول هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى المُؤْمِنِ حتى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ يُصَلِّيها فِي الدُّنْيا " وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه ، وذلك ما : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، أن رجلاً سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال : إنما سألتك لتخبرني ، قال : هما يومان ذكرهما الله في القرآن ، الله أعلم بهما ، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سأل رجل ابن عباس عن يوم مقداره ألف سنة ، قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتخبرني ، فقال : هما يومان ذكرهما الله جلّ وعزّ ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم . وقرأت عامة قرّاء الأمصار قوله : { تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ } بالتاء خلا الكسائي ، فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك كذلك . والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو بالتاء لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وقوله { فاصْبِرْ صَبْراً جمِيلاً } يقول تعالى ذكره : فاصبر صبراً جميلاً ، يعني : صبراً لا جزع فيه . يقول له : اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } قال : هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم ، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدّة والقتل حتى يتركوا ، ونسخ هذا . وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية ، ثم نسخ ذلك قول لا وجه له ، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصحّ منها الدعاوي ، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمراً منه له به في بعض الأحوال ، بل كان ذلك أمراً من الله له به في كلّ الأحوال ، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم ، وهو في كلّ ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذًى قبل أن يأذن الله له بحربهم ، وبعد إذنه له بذلك .