Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 6-10)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه ، الواقع عليهم بعيداً وقوعه ، وإنما أخبر جلّ ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيداً ، لأنهم كانوا لا يصدّقون به ، وينكرون البعث بعد الممات ، والثواب والعقاب ، فقال : إنهم يرونه غير واقع ، ونحن نراه قريباً ، لأنه كائن ، وكلّ ما هو آت قريب . والهاء والميم من قوله : { إنَّهُمْ } من ذكر الكافرين ، والهاء من قوله : { يَرَوْنَهُ } من ذكر العذاب . وقوله : { يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ } يقول تعالى ذكره : يوم تكون السماء كالشيء المذاب ، وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده ، واختلاف المختلفين فيه ، وذكرنا ما قال فيه السلف ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ } قال : كَعَكَرِ الزيت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ } تتحوّل يومئذٍ لوناً آخر إلى الحمرة . وقوله : { وَتَكُونُ الجِبالُ كالْعِهنِ } يقول : وتكون الجبال كالصوف . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { كالْعِهْنِ } قال : كالصوف . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { كالْعِهْنِ } قال : كالصوف . وقوله : { وَلا يَسألُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ } يقول تعالى ذكره : ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة و قوله : { وَلا يَسأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } يشغل كلّ إنسان بنفسه عن الناس . وقوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله { يُبَصَّرُونَهُمْ } فقال بعضهم : عُني بذلك الأقرباء أنهم يعرّفون أقربائهم ، ويعرّف كلّ إنسان قريبه ، فذلك تبصير الله إياهم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } قال : يعرَف بعضهم بعضاً ، ويتعارفون بينهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، يقول : { لكُلّ امْرِىْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيِهِ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يُبَصَّرُونَهُمْ } يعرّفونهم يعلمون ، والله ليعرِّفنَّ قوم قوماً ، وأناس أناساً . وقال آخرون : بل عُنِي بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } المؤمنون يبصرون الكافرين . وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الكفار الذين كانوا أتباعاً لآخرين في الدنيا على الكفر ، أنهم يعرفون المتبوعين في النار . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُبَصَّرونَهُمْ } قال : يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار . وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : معنى ذلك : ولا يسأل حميم حميماً عن شأنه ، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، كما قال جلّ ثناؤه : { يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمِّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ امْرْىءٍ منهم يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ } وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب ، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } تلا قوله : { وَلا يَسألُ حَميمٌ حَميماً } فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَلا يَسألُ } فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء وشَيبة بفتح الياء وقرأه أبو جعفر وشيبة : « وَلا يُسْئَلُ » بضم الياء ، يعني : لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض . والصواب من القراءة عندنا فتح الياء ، بمعنى : لا يسأل الناس بعضهم بعضاً عن شأنه ، لصحة معنى ذلك ، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه .