Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 19-20)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني تعالى ذكره بقوله : إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها ، وما هو فاعل فيها بأهل الكفر { تذكرة } يقول : عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } يقول : فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقاً بالإيمان به ، والعمل بطاعته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ } يعني القرآن { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } بطاعة الله . وقوله : { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْل } يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصلياً ، ونصفه وثلثه . اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة بالخفض ونصفه وثلثه بمعنى : وأدنى من نصفه وثلثه ، إنكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام الليل ، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه . وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة بالنصب ، بمعنى : إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ } يعني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل . وقوله : { وَاللَّهُ يُقَدّرُ الليْلَ والنهارَ } بالساعات والأوقات . وقوله : { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } يقول : علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه { فَتابَ عَلَيْكُمْ } إذ عجزتم وضعفتم عنه ، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله { أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، عن عباد بن راشد ، عن الحسن { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } أن لن تطيقوه . حدثني يقعوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرني به عباد بن راشد ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال : لن تطيقوه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } يقول : أن لن تطيقوه . قال : ثنا مهران ، عن سفيان { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال : أن لن تطيقوه . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خَلَّتانِ لا يُحْصِيهُما رَجَلٌ مُسْلمٌ إلاَّ أدْخَلَتاهُ الجَنةَ ، وهُمَا يَسِيرٌ ، وَمَنْ يَعْمَلْ بِهما قَلِيلٌ ، يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ عَشْراً ، ويَحْمَدُهُ عَشْراً ، ويُكَبِّرُهُ عَشْراً " قال : فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده ، قال : " فَتِلكَ خَمُسُونَ وَمائة باللِّسانِ ، وألْفٌ وخَمْسُ مِئََةٍ فِي المِيزَانِ وَإذَا أوَى إلى فِراشِهِ سَبَّحَ وحَمَد وكَبَّر مِئََةِ ، قال : فَتِلكَ مائَةٌ باللِّسانِ ، وألْفٌ فِي المِيزَانِ ، فأيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ الوَاحِدِ ألْفَينِ وخَمْسَ ِمَئةِ سَيِّئَةٍ ؟ " قالوا : فكيف لا نحصيهما ؟ قال : " يأتى أحَدَكُمُ الشيْطانُ وَهُوَ فِي صَلاتِهِ فَيَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا ، اذْكُرْ كَذَا حتى يَنْفَتِلَ ، وَلَعَلَهُ لا يَعْقِلُ ، ويأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلا يَزَالُ يُنَوّمَهُ حتى يَنامَ " حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قيام الليل كتب عليكم { فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ } . وقوله : { فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ } يقول : فاقرأوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم وهذا تخفيف من الله عزّ وجلّ عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله : { قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء محمد ، قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ، فلا يقوم به ، إنما يصلي المكتوبة ، قال : يتوسد القرآن ، لعن الله ذاك قال الله للعبد الصالح : { وَإنَّهُ لَذُو عِلْمِ لمَا عَلَّمْناهُ وعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ } قلت : يا أبا سعيد قال الله : { فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ } قال : نعم ، ولو خمسين آية . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن عثمان الهمداني ، عن السديّ ، في قوله : { فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ } قال : مئة آية . قال : ثنا وكيع ، عن ربيع ، عن الحسن ، قال : من قرأ ِمَئة آية في ليلة لم يحاجه القرآن . قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن كعب ، قال : من قرأ في ليلة مائة كُتب من العابدين . وقوله : { عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وآخَرُونَ يَضْربُونَ فِي الأرْض يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } يقول تعالى ذكره : علم ربكم أيها المؤمنون أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل { وآخَرُونَ يَضْربُونَ فِي الأرْضِ } في سفر { يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم ، فأضعفهم أيضاً عن قيام الليل { وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } يقول : وآخرون أيضاً منكم يجاهدون العدوّ فيقاتلونهم في نُصرة دين الله ، فرحمكم الله فخفف عنكم ، ووضع عنكم فرض قيام الليل { فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ } يقول : فاقرءوا الآن إذ خفف ذلك عنكم من الليل في صلاتكم ما تيسَّر من القرآن . والهاء في قوله « منه » من ذكر القرآن . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثم أنبأ بخصال المؤمنين ، فقال : { عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وآخَرُونَ يَضْربُونَ فِي الأرْض يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ } قال : افترض الله القيام في أوّل هذه السورة ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء ، ثم أنزل التخفيف في آخرها فصار قيام الليل تطوّعاً بعد فريضة . { وأقِيمُوا الصَّلاةَ } يقول : وأقيموا المفروضة وهي الصلوات الخمس في اليوم والليل { وآتُوا الزَّكاةَ } يقول : وأعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ } فهما فريضتان واجبتان ، لا رخصة لأحد فيهما ، فأدّوهما إلى الله تعالى ذكره . وقوله : { وأقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } يقول : وانفقوا في سبيل الله من أموالكم . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وأقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضَاً حَسَناً } قال : القرض : النوافل سوى الزكاة . وقوله : { وَما تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وأعْظَمَ أجْراً } يقول : وما تقدّموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله ، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير ، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حجّ ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله ، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم ، هو خيراً لكم مما قدّمتم في الدنيا ، وأعظم منه ثواباً : أي ثوابه أعظم من ذلك الذي قدّمتموه لو لم تكونوا قدّمتموه { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ } يقول تعالى ذكره : وسلوا الله غفران ذنوبكم يصفح لكم عنها { إن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يقول : إن الله ذو مغفرة لذنوب من تاب من عباده من ذنوبه ، وذو رحمة أن يعاقبهم عليها من بعد توبتهم منها .