Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 13-15)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : يُخْبَر الإنسان يومئذٍ ، يعني يوم يَجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخَّر . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { بِمَا قَدَّمَ وأخَّرَ } فقال بعضهم : معنى ذلك : بما قدّم من عمل خير ، أو شرّ أمامه ، مما عمله في الدنيا قبل مماته ، وما أخَّر بعد مماته من سيئة وحسنة ، أو سيئة يعمل بها من بعده . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وأخَّرَ } يقول : ما عمل قبل موته ، وما سَنّ فعُمِل به بعد موته . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال : { بِمَا قَدَّمَ } من عمله { وأخَّرَ } من سنة عمل بها من بعده من خير أو شرّ . وقال آخرون : بل معنى ذلك : يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وأخَّرَ } يقول : بما قدّم من المعصية ، وأخَّر من الطاعة ، فينبأ بذلك . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ينبأ بأوّل عمله وآخره . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور عن مجاهد { يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وأخَّرَ } قال : بأوّل عمله وآخره . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وإبراهيم ، مثله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : { بِما قَدَّمَ } من طاعة { وأخَّرَ } من حقوق الله التي ضيَّعها . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ } من طاعة الله { وأخَّرَ } مما ضيع من حقّ الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { بِمَا قَدَّمَ وأخَّرَ } قال : بما قدّم من طاعته ، وأخَّر من حقوق الله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله ، وما أخَّر مما ترك عمله من طاعة الله . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ } قال : ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله ، ما ترك من طاعة الله لم يعمل به ، وما قدم : ما عمل من خير أو شرّ . والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته ، وأخَّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخَّر ، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ ، وأخَّر بعده من عمل كان عليه فضيَّعه ، فلم يعمله مما قدّم وأخَّر ، ولم يخصص الله من ذلك بعضاً دون بعض ، فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة . وقوله : { بَل الإنْسانُ على نَفْسِه بَصِيرَةٌ } يقول تعالى ذكره : بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله ، ويشهدون عليه به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } يقول : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه . والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله { عَلى نَفْسِهِ } ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله : { نفسه } . وقال آخرون : بل معنى ذلك : بل الإنسان شاهد على نفسه وحده ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبراً للإنسان ، ورفع الإنسان بها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } يقول : الإنسان شاهد على نفسه وحده . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } قال : شاهد عليها بعملها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلاً عن ذنوبه قال : وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوباً : يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك ، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } قال : هو شاهد على نفسه ، وقرأ : { اقْرأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } ومن قال هذه المقالة يقول : أدخلت الهاء في قوله { بَصِيرَةٌ } وهي خبر للإنسان ، كما يقال للرجل : أنت حجة على نفسك ، وهذا قول بعض نحويي البصرة . وكان بعضهم يقول : أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر ، كما أدخلت في راوية وعلامة . وقوله : { ولَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } اختلف أهل الرواية في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه ، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم ، وركب من المعاصي ، وجادل بالباطل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } يعني الاعتذار ، ألم تسمع أنه قال : { لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } ، وقال الله : { وألقوا إلى الله يومئذٍ السَّلَم ما كنا نعمل من سوء } وقولهم : { وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ } حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبير ، في قولهّ : { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةُ } قال : شاهد على نفسه ولو اعتذر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَو ألْقَى مَعاذِيرَهُ } ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن عمران بن حدير ، قال : سألت عكرمة ، عن قوله : { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصيرَةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعاذيرَهُ } قال : فسكت ، فقلت له : إن الحسن يقول : ابن آدم عملك أولى بك ، قال : صدق . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } قال : معاذيرهم التي يعتذرون بها بوم القيامة فلا ينتفعون بها ، قال : يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ، ويعتذرون بالكذب . وقال آخرون : بل معنى ذلك : بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد . ذكر من قال ذلك : حدثني نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } قال : لو تجرّد . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثنا رَوّاد ، عن أبي حمزة ، عن السديّ ، في قوله : { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } ولو أرخى الستور ، وأغلق الأبواب . وقال آخرون : بل معنى ذلك : { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } لم تقبل . ذكر من قال ذلك : حدثني نصر بن عليّ ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن الحسن : { وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ } لم تُقبل معاذيره . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة : { ولو ألقى معاذيره } قال : ولو اعتذر وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : معناه : ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهداً من نفسه بقوله { بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك ، ولو جادل عنها بالباطل ، واعتذر بغير الحقّ ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل .