Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 14-15)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا } وقَرُبت منهم ظلال أشجارها . ولنصب دانية أوجه : أحدها : العطف به على قوله { مُتَّكِئيِن فِيها } والثاني : العطف به على موضع قوله { لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً } لأن موضعه نصب ، وذلك أن معناه : متكئين فيها الأرائك ، غير رائين فيها شمساً . والثالث : نصبه على المدح ، كأنه قيل : متكئين فيها على الأرائك ، ودانية بعد عليهم ظلالها ، كما يقال : عند فلان جارية جميلة ، وشابة بعد طرية ، تضمر مع هذه الواو فعلاً ناصباً للشابة ، إذا أريد به المدح ، ولم يُرَد به النَّسَق وأُنِّثَتْ دانيةً لأن الظلال جمع . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بالتذكير : « وَدَانِياً عَلَيْهِمْ ظِلالُها » وإنما ذكر لأنه فعل متقدّم ، وهي في قراءة فيما بلغني : « وَدَانٍ » رفع على الاستئناف . وقوله : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً } يقول : وذُلِّل لهم اجتناء ثمر شجرها ، كيف شاؤوا قعوداً وقياماً ومتكئين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً } قال : إذا قام ارتفعت بقدره ، وإن قعد تدلَّت حتى ينالها ، وإن اضطجع تدلَّت حتى ينالها ، فذلك تذليلها . حدثنا بشر ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذلِّلَتْ قْطُوفُها تَذْلِيلاً } قال : لا يردُّ أيديَهم عنها بُعد ولا شوك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قُطُوفُها دَانِيَةٌ } قال : الدانية : التي قد دنت عليهم ثمارها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً } قال : يتناوله كيف شاء جالساً ومتكئاً . وقوله : { وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأكْوَابٍ كانَتْ قَوَارِيراً } يقول تعالى ذكره : ويُطاف على هؤلاء الأبرار بآنية من الأواني التي يشربون فيها شرابهم ، هي من فضة كانت قوارير ، فجعلها فضة ، وهي في صفاء القوارير ، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأكْوابٍ كانَتْ قَوَارِيرَ } يقول : آنية من فضة ، وصفاؤها وتهيؤها كصفاء القوارير . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد من فضة ، قال : فيها رقة القوارير في صفاء الفضة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ } قال : صفاء القوارير وهي من فضة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ } أي صفاء القوارير في بياض الفضة . وقوله : { وأكْوابٍ } يقول : ويُطاف مع الأواني بجرار ضِخام فيها الشراب ، وكلّ جرّة ضخمة لا عروة لها فهي كوب ، كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { وأكْوَابٍ } قال : ليس لها آذان . وقد : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان بهذا الحديث بهذا الإسناد عن مجاهد ، فقال : الأكواب : الأقداح . وقوله : { كانَتْ قَوَارِيرَ } يقول : كانت هذه الأواني والأكواب قوارير ، فحوّلها الله فضة . وقيل : إنما قيل : ويطاف عليهم بآنية من فضة ، ليدلّ بذلك على أن أرض الجنة فضة ، لأن كل آنية تُتَّخذ ، فإنما تُتَّخذ من تُرْبة الأرض التي فيها ، فدلّ جلّ ثناؤه بوصفة الآنية متى يطاف بها على أهل الجنة أنها من فضة ، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة . واختلفت القرّاء في قراءة قوله « قوارير ، وسلاسل » ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة غير حمزة : سلاسلاً ، وقواريراً { قَوارِيراً } بإثبات الألف والتنوين وكذلك هي في مصاحفهم وكان حمزة يُسْقط الألِفات من ذلك كله ، ولا يجري شيئاً منه وكان أبو عمرو يُثبت الألف في الأولى من قوارير ، ولا يثبتها في الثانية ، وكلّ ذلك عندنا صواب ، غير أن الذي ذَكَرت عن أبي عمرو أعجبهما إليّ ، وذلك أن الأوّل من القوارير رأس آية ، والتوفيق بين ذلك وبين سائر رؤوس آيات السورة أعجب إليّ إذ كان ذلك بإثبات الألفات في أكثرها .