Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 7-9)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً ، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال : إذا نذروا في حق الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال : كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة ، والحجّ والعمرة ، وما افترض عليهم ، فسماهم الله بذلك الأبرار ، فقال : { يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { يُوفُونُ بالنَّذْرِ } قال : بطاعة الله ، وبالصلاة ، وبالحجّ ، وبالعمرة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قوله : { يُوفُونَ بالنَّذْرِ } قال : في غير معصية . وفي الكلام محذوف اجتزىء بدلالة الكلام عليه منه ، وهو كان ذلك . وذلك أن معنى الكلام : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً ، كانوا يوفون بالنذر ، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها والنذر : هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل ومنه قول عنترة : @ الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلمْ أشْتُمْهُما والنَّاذِرَيْنَ إذا لَمْ ألْقَهُما دَمي @@ وقوله : { وَيخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } يقول تعالى ذكره : ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيراً ، ممتدّاً طويلاً فاشياً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَيخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } استطاروا الله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض . وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحماً ، ولا يتصدّق ، ولا يصنع خيراً ، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه ، ويأتي ذلك ، ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال : إذا امتدّ ، ولا يقال ذلك في الحائط ومنه قول الأعشى : @ فَبانَتْ وَقد أثأرَتْ فِي الفُؤَ ادِ صَدْعا عَلى نَأَيِها مُسْتَطِيرَا @@ يعني : ممتدّاً فاشياً . وقوله : { وَيُطْعمُونَ الطَّعامَ على حُبِّهِ مِسْكيناً } يقول تعالى ذكره : كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه ، وشهوتهم له . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { وَيُطْعمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ } قال : وهم يشتهونه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو العريان ، قال : سألت سليمان بن قيس أبا مقاتل بن سليمان ، عن قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً } قال : على حبهم للطعام . وقوله : { مِسْكِيناً } يعني جلّ ثناؤه بقوله مسكيناً : ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة ، { وَيَتِيماً } : وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له { وأسِيراً } : وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهراً بالغلبة ، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّباً بذلك إلى الله وطلب رضاه ، ورحمة منهم لهم . واختلف أهل العلم في الأسير الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : بما : حدثنا به بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وأسِيراً } قال : لقد أمر الله بالأُسراء أن يحسن إليهم ، وإن أسراهم يومئذٍ لأهل الشرك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وأسِيراً } قال : كان أسراهم يومئذٍ المشرك ، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه . قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو أن عكرِمة قال في قوله : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وأسِيراً } زعم أنه قال : كان الأسرى في ذلك الزمان المشرك . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا أشعث ، عن الحسن { وَيَتِيماً وأسِيراً } قال : ما كان أسراهم إلا المشركين . وقال آخرون : عُني بذلك : المسجون من أهل القبلة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الأسير : المسجون . حدثني أبو شيبة بن أبي شيبة ، قال : ثنا عمر بن حفص ، قال : ثني أبي عن حجاج ، قال : ثني عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبير في قوله الله : { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وأسيراً } من أهل القبلة وغيرهم ، فسألت عطاء ، فقال مثل ذلك . حدثني علي بن سهل الرملي ، قال : ثنا يحيى يعني ابن عيسى ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وأسيراً } قال : الأسير : هو المحبوس . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير ، والأسير الذي قد وصفت صفته واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين ، وقد عمّ الخبر عنهم أنهم يطعمونهم ، فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له . وأما قول من قال : لم يكن لهم أسير يومئذٍ إلا أهل الشرك ، فإن ذلك وإن كان كذلك ، فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذٍ ، وإنما هو خبر من الله عن كلّ من كانت هذه صفته يومئذٍ وبعده إلى يوم القيامة ، وكذلك الأسير معنيّ به أسير المشركين والمسلمين يومئذٍ ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة . وقوله : { إنمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ } يقول تعالى ذكره : يقولون : إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله ، يعنون طلب رضا الله ، والقُربة إليه { لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورَاً } يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام : لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثواباً ولا شكوراً . وفي قوله : { وَلا شُكُوراً } وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفُلوس جمع فَلس ، والكفور جمع كُفْر . والآخر : أن يكون مصدراً واحداً في معنى جمع ، كما يقال : قعد قعوداً ، وخرج خروجاً . وقد : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سالم ، عن مجاهد { إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } قال : أما إنهم ما تكلموا به ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب . حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح ، عن سالم ، عن سعيد بن جُبير { إنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } قال : أما والله ما قالوه بألسنتهم ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب .