Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 29-34)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بهذه النِّعم والحجج التي احتجّ بها عليهم يوم القيامة : { انْطَلِقُوا إلى ما كُنْتُمْ بِهِ } في الدنيا { تُكَذّبُونَ } من عذاب الله لأهل الكفر به { انْطَلِقُوا إلى ظِلِّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ } يعني تعالى ذكره : إلى ظلّ دخان ذي ثلاث شعب { لا ظَلِيلٍ } ، وذلك أنه يرتفع من وقودها الدخان فيما ذُكر ، فإذا تصاعد تفرّق شعباً ثلاثاً ، فذلك قوله : { ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ } . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إلى ظِلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ } قال : دخان جهنم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ظِلّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ } قال : هو كقوله : { ناراً أحاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها } قال : والسرادق : دخان النار ، فأحاط بهم سرادقها ، ثم تفرّق ، فكان ثلاث شعب ، فقال : انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب : شعبة ههنا ، وشعبة ههنا ، وشعبة ههنا { لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ } . وقوله : { لا ظَلِيلٍ } يقول : لا هو يظلهم من حرّها { وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَب } ِ ولا يُكِنُّهم من لهبها . وقوله : { إنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ } يقول تعالى ذكره : إن جهنم ترمي بشرر كالقصر ، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار : { كالْقَصْرِ } بجزم الصاد . واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : هو واحد القصور . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ يقول : كالقصر العظيم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : ذكر القصر . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر في قول الله : { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : كان القرظي يقول : إن على جهنم سوراً ، فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر ، ولون القار . وقال آخرون : بل هو الغليظ من الخشب ، كأصول النخل وما أشبه ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : القصر : خشب كنا ندّخره للشتاء ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ، ودون ذلك كنا نسميه القصر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : القصر : خشب كان يُقْطع في الجاهلية ذراعا وأقلّ أو أكثر ، يُعْمَد به . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس يقول في قوله : { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : كنا في الجاهلية نقصر ذراعين أو ثلاث أذرع ، وفوق ذلك ودون ذلك نسميه القصر . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { إنَّها تَرْمي بشَرَرٍ كالْقَصْرِ } فالقصر : الشجر المقطع ، ويقال : القصر : النخل المقطوع . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { كالْقَصْرِ } قال : حزم الشجر ، يعني الحزمة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس في هذه الآية { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : مثل قَصْر النخلة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّها تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } أصول الشجر ، وأصول النخل . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } قال : كأصل الشجر . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } القصر : أصول الشجر العظام ، كأنها أجواز الإبل الصفر وسط كل شيء جوزُه ، وهي الأجواز . حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : قرأها الحسن : { كالْقَصْرِ } وقال : هو الجزل من الخشب قال : واحدته : قصرة وقصر ، مثله : جمرة وجمر ، وتمرة وتمر . وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ ذلك : « كالْقَصَرِ » بتحريك الصاد . حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني حسين المعلم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قرأها : « كالقَصَرِ » بفتح القاف والصاد . قال : وقال هارون : أخبرني أبو عمرو أن ابن عباس قرأها : « كالْقَصَرِ » وقال : قصر النخل ، يعني الأعناق . وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو سكون الصاد ، وأولى التأويلات به أنه القصر من القصور ، وذلك لدلالة قوله : { كأنهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } على صحته ، والعرب تشبه الإبل بالقصور المبنية ، كما قال الأخطل في صفة ناقة : @ كأنها بُرْجُ رُوميَ يُشَيِّدُه لُزَّ بِجصّ وآجُرٍّ وأحْجارِ @@ وقيل : { بِشَرَرٍ كالقَصْرِ } ولم يقل كالقصور ، والشررِ : جماع ، كما قيل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ولم يقل الأدبار ، لأن الدبر بمعنى الأدبار ، وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الآيات ومقاطع الكلام ، لأن العرب تفعل ذلك كذلك ، وبلسانها نزل القرآن . وقيل : كالقصر ، ومعنى الكلام : كعظم القصر ، كما قيل : تَدوُر أعُيُنهم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموتِ ولم يقل : كعيون الذي يغشى عليه ، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، أنه سأل الأسود عن هذه الآية : { تَرْمي بِشَرَرٍ كالْقَصْرِ } فقال : مثل القصر . وقوله : { جِمالاتٌ صُفْرٌ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جِمالات سود : أي أينق سود وقالوا : الصفر في هذا الموضع ، بمعنى السود . قالوا : وإنما قيل لها صفر وهِي سود ، لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة ، ولذلك قيل لها صُفْر ، كما سميت الظباء أدماً ، لما يعلوها في بياضها من الظلمة . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن عمرو البصري ، قال : ثنا بدل بن المحبِّر ، قال : ثنا عباد بن راشد ، عن داود بن أبي هند ، عن الحسن { كأنَّهُ جِمالَةٌ صُفْرٌ } قال : الأينق السود . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } كالنُّوق السود الذي رأيتم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : نوق سود . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، جميعاً عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : هي الإبل . قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : كالنوق السود الذي رأيتم . وقال آخرون : بل عُني بذلك : قُلُوس السفن ، شبَّه بها الشرر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { كأنَّهُ جِمالات صُفْرٌ } فالجِمالات الصفر : قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سعيد ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : قُلُوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض ، حتى تكون كأوساط الرجال . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سمعت ابن عباس سُئل عن { جِمالاتٌ صُفْرٌ } فقال : حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن عابس ، قال : ثنا عبد الملك ابن عبد الله ، قال : ثنا هلال بن خباب ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : { جِمالاتٌ صَفْرٌ } قال : قُلوس الجِسر . حدثني محمد بن حويرة بن محمد المنقري ، قال : ثنا عبد الملك بن عبد الله القطان ، قال : ثنا هلال بن خَبَّاب ، عن سعيد بن جُبير ، مثله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير { كأنَّهُ جِمالات صُفْرٌ } قال : الحبال . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبد الله ، عن ابن عباس { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : قلوس سفن البحر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } قال : حبال الجسور . وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنه قطع النُّحاس . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ } يقول : قطع النحاس . وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال : عُنِي بالجمالات الصفر : الإبل السود ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، وأن الجِمالات جمع جِمال ، نظير رِجال ورِجالات ، وبُيوت وبُيوتات . وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : « جِمالاتٍ » بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جِمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جِمالة ، والجمالة جمع جَمَل كما الحجارة جمع حَجَر ، والذِّكارة جمع ذَكَر . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : { كأنه جِمالَةٌ } بكسر الجيم على أنها جمع جمل جُمع على جمالة ، كما ذكرت مِن جمع حجَر حِجارة . ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ : « جُمالاتٌ » بالتاء وضمّ الجيم كأنه جمع جُمالة من الشيء المجمل . حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن الحسين المعلم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس . والصواب من القول في ذلك ، أن لقارىء ذلك اختيارَ أيّ القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء وكسر الجيم ، وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء ، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه . وقوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } يقول تعالى ذكره : ويل يوم القيامة للمكذّبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذّبين من عباده .