Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-12)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولتطمئن به قلوبكم إذ يغشيكم النعاس . ويعنـي بقوله : { يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ } : يـلقـي علـيكم النعاس ، { أمَنَةً } يقول : أمانا من الله لكم من عدوّكم أن يغلبكم ، وكذلك النعاس فـي الـحرب أمنة من الله عزّ وجلّ . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو نعيـم ، قال : ثنا سفـيان ، عن عاصم ، عن أبـي رزين ، عن عبد الله ، قال : النعاس فـي القتال أمنة من الله عزّ وجلّ ، وفـي الصلاة من الشيطان . حدثنـي الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، فـي قوله : { يغشاكم النعاس أمنة منه } ، عن عاصم ، عن أبـي رزين ، عن عبد الله ، بنـحوه ، قال : قال عبد الله : فذكر مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن عاصم ، عن أبـي رزين ، عن عبد الله بنـحوه . والأمنة : مصدر من قول القائل : أمنت من كذا أَمَنَةً وأماناً وأمناً ، وكلّ ذلك بـمعنى واحد . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { أمَنَةً منْهُ } : أمانا من الله عزّ وجلّ . قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { أمَنَةً } قال : أمنا من الله . حدثنـي يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أمَنَةً مِنْهُ } قال : أنزل الله عزّ وجلّ النعاس أمنة من الـخوف الذي أصابهم يوم أُحد . فقرأ : { ثُمَّ أنْزَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَم أمَنَةً نُعاساً } . واختلفت القراء فـي قراءة قوله : « إذْ يُغَشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ » فقرأ ذلك عامَّة قراء أهل الـمدينة « يُغَشِيكُمُ النُّعاسَ » بضم الـياء وتـخفـيف الشين ونصب « النعاس » ، من أغشاهم الله النعاس ، فهو يغشيهم . وقرأته عامة قراء الكوفـيـين : { يُغَشِّيكُم } بضم الـياء وتشديد الشين من غشّاهم الله النعاس ، فهو يُغَشّيهم . وقرأ ذلك بعض الـمكيـين والبصريـين : « يَغْشاكُم النُّعاسُ » بفتـح الـياء ورفع « النعاس » ، بـمعنى غشيهم النعاس ، فهو يغشاهم واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله فـي آل عمران : { يَغْشَى طائفَةً } . وأولـى ذلك بـالصواب : { إذْ يُغَشِّيكُم } علـى ماذكرت من قراءة الكوفـيـين ، لإجماع جميع القرّاء علـى قراءة قوله : { ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً } بتوجيه ذلك إلـى أنه من فعل الله عزّ وجلّ ، فكذلك الواجب أن يكون كذلك : { يُغَشِّيكُم } إذ كان قوله : { ويُنَزّلُ } عطفـاً علـى « يُغَشّي » ، لـيكون الكلام متسقاً علـى نـحو واحد . وأما قوله : { ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيِّطَهِّرَكُمْ بِهِ } فإن ذلك مطر أنزله الله من السماء يوم بدر ، لـيطهر به الـمؤمنـين لصلاتهم لأنهم كانوا أصبحوا يومئذٍ مُـجْنِبـين علـى غير ماء فلـما أنزل الله علـيهم الـماء اغتسلوا وتطهروا . وكان الشيطان وسوس لهم بـما حزنهم به من إصبـاحهم مـجنبـين علـى غير ماء ، فأذهب الله ذلك من قلوبهم بـالـمطر فذلك ربطه علـى قلوبهم وتقويته أسبـابهم وتثبـيته بذلك الـمطر أقدامهم ، لأنهم كانوا التقوا مع عدوّهم علـى رَمْلة هَشَّاء فلبَّدَها الـمطر حتـى صارت الأقدام علـيها ثابتة لا تسوخ فـيها ، توطئة من الله عزّ وجلّ لنبـيه علـيه الصلاة والسلام وأولـيائه أسبـاب التـمكن من عدوهم والظفر بهم . وبـمثل الذي قلنا ، تتابعت الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلـم . ذكر الأخبـار الواردة بذلك : حدثنا هارون بن إسحاق ، قال : ثنا مصعب بن الـمقدام ، قال : ثنا إسرائيـل ، قال : ثنا أبو إسحاق ، عن حارثة ، عن علـيّ رضي الله عنه ، قال : أصابنا من اللـيـل طشٌّ من الـمطر يعنـي اللـيـلة التـي كانت فـي صبـيحتها وقعة بدر فـانطلقنا تـحت الشجر والـحجف ، نستظلّ تـحتها من الـمطر ، وبـات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به : " اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ لا تُعْبَدْ فـي الأرْضِ " فلـما أن طلع الفجر نادى : الصَّلاةَ عِبـادَ اللّهِ ، فجاء الناس من تـحت الشجر والـحجف ، فصلـى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحرّض علـى القتال . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص بن غياث وأبو خالد ، عن داود ، عن سعيد بن الـمسيب : { ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } قال : طشّ يوم بدر . حدثنـي الـحسن بن يزيد ، قال : ثنا حفص ، عن داود ، عن سعيد ، بنـحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد أبـي عديّ وعبد الأعلـى ، عن داود ، عن الشعبـيّ وسعيد بن الـمسيب ، قالا : طش يوم بدر . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن داود ، عن الشعبـي وسعيد بن الـمسيب فـي هذه الآية : { يُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيُطَهَّرَكُمْ بِهِ ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ } قالا : طش كان يوم بدر ، فثبت الله به الأقدام . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : « إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ » … الآية ، ذكر لنا أنهم مطروا يومئذٍ حتـى سال الوادي ماء ، واقتتلوا علـى كثـيب أعفر ، فلبده الله بـالـماء ، وشرب الـمسلـمون وتوضئوا وسَقَوْا ، وأذهب الله عنهم وسواس الشيطان . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قال : نزل النبـيّ صلى الله عليه وسلم يعنـي حين سار إلـى بدر والـمسلـمون بـينهم وبـين الـماء رملة دعصة فأصاب الـمسلـمين ضعف شديد ، وألقـى الشيطان فـي قلوبهم الغيظ ، فوسوس بـينهم : تزعمون أنكم أولـياء الله وفـيكم رسوله ، وقد غلبكم الـمشركون علـى الـماء وأنتـم تصلون مـجنبـين فأمطر الله علـيهم مطراً شديداً ، فشرب الـمسلـمون وتطهروا ، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان . وثبت الرمل حين أصابه الـمطر ، ومشي الناس علـيه والدوابّ فساروا إلـى القوم ، وأمدّ الله نبـيه بألف من الـملائكة ، فكان جبريـل علـيه السلام فـي خمسمائة من الـملائكة مـجنبة ، وميكائيـل فـي خمسمائة مـجنبة . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : « إذْ يُغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ » … إلـى قوله : { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } وذلك أن الـمشركين من قريش لـما خرجوا لـينصروا العير ويقاتلوا عنها ، نزلوا علـى الـماء يوم بدر ، فغلبوا الـمؤمنـين علـيه ، فأصاب الـمؤمنـين الظمأ ، فجعلوا يصلون مـجنبـين مـحدثـين ، حتـى تعاظم ذلك فـي صدور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله من السماء ماء حتـى سال الوادي ، فشرب الـمسلـمون وملئوا الأسقـية ، وسقوا الركاب واغتسلوا من الـجنابة ، فجعل الله فـي ذلك طُهوراً ، وثبت الأقدام . وذلك أنه كانت بـينهم وبـين القوم رملة فبعث الله علـيها الـمطر . فضربها حتـى اشتدت ، وثبتت علـيها الأقدام . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : بـينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون ، فسبقهم الـمشركون إلـى ماء بدر ، فنزلوا علـيه ، وانصرف أبو سفـيان وأصحابه تلقاء البحر ، فـانطلقوا . قال : فنزلوا علـى أعلـى الوادي ، ونزل مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي أسفله . فكان الرجل من أصحاب مـحمد علـيه الصلاة والسلام يُجنب فلا يقدر علـى الـماء ، فـيصلـي جنبـاً ، فألقـى الشيطان فـي قلوبهم ، فقال : كيف ترجون أن تظهروا علـيهم وأحدكم يقوم إلـى الصلاة جنبـاً علـى غير وضوء ؟ قال : فأرسل الله علـيهم الـمطر ، فـاغتسلوا وتوضئوا وشربوا ، واشتدت لهم الأرض ، وكانت بطحاء تدخـل فـيها أرجلهم ، فـاشتدّت لهم من الـمطر واشتدّوا علـيها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : غلب الـمشركون الـمسلـمين فـي أوّل أمرهم علـى الـماء فظمىء الـمسلـمون ، وصلوا مـجنبـين مـحدثـين ، وكانت بـينهم رمال ، فألقـى الشيطان فـي قلوب الـمؤمنـين الـحزن ، فقال : تزعمون أن فـيكم نبـيًّا وأنكم أولـياء الله ، وقد غلبتـم علـى الـماء وتصلون مـجنبـين مـحدثـين ؟ قال : فأنزل الله ماء من السماء ، فسال كلّ واد ، فشرب الـمسلـمون وتطهروا ، وثبتت أقدامهم ، وذهبت وسوسة الشيطان . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } قال : الـمطر أنزله علـيهم قبل النعاس . { رِجْزَ الشَّيْطَانِ } قال : وسوسته . قال : فأطفأ بـالـمطر الغبـار ، والتبدت به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } أنزله علـيهم قبل النعاس ، طبق الـمطر الغبـار ، ولبد به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به الأقدام . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } قال : القطر { ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } وساوسه . أطفأ بـالـمطر الغبـار ، ولبد به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، رجز الشيطان : وسوسته . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَيُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } قال : هذا يوم بدر أنزل علـيهم القطر . { وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ } الذي ألقـى فـي قلوبكم لـيس لكم بهؤلاء طاقة . { وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ … } إلـى قوله : { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } : إن الـمشركين نزلوا بـالـماء يوم بدر ، وغلبوا الـمسلـمين علـيه ، فأصاب الـمسلـمين الظمأ ، وصلوا مـحدثـين مـجنبـين ، فألقـى الشيطان فـي قلوب الـمؤمنـين الـحزن ، ووسوس فـيها : إنكم تزعمون أنكم أولـياء الله وأن مـحمداً نبـيّ الله ، وقد غلبتـم علـى الـماء وأنتـم تصلون مـحدثـين مـجنبـين فأمطر الله السماء حتـى سال كلّ واد ، فشرب الـمسلـمون وملئوا أسقـيتهم وسقوا دوابهم واغتسلوا من الـجنابة ، وثبت الله به الأقدام وذلك أنهم كان بـينهم وبـين عدوّهم رملة لا تـجوزها الدوابّ ، ولا يـمشي فـيها الـماشي إلاَّ بجهد ، فضربها الله بـالـمطر حتـى اشتدت وثبتت فـيها الأقدام . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : « إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ » : أي أنزلت علـيكم الأمنة حتـى نـمتـم لا تـخافون ، ونزل علـيكم من السماء الـمطر الذي أصابهم تلك اللـيـلة ، فحبس الـمشركون أن يسبقوا إلـى الـماء ، وخُـلـي سبـيـلُ الـمؤمنـين إلـيه . { لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَام } : لـيذهب عنهم شكّ الشيطان بتـخويفه إياهم عدوّهم ، واستـجلاد الأرض لهم ، حتـى انتهوا إلـى منزلهم الذي سبق إلـيه عدوّهم . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : ثم ذكر ما ألقـى الشيطان فـي قلوبهم من شأن الـجنابة وقـيامهم يصلون بغير وضوء ، فقال : « إذْ يَغْشاكُمُ النُّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ » حتـى تشتدّون علـى الرمل ، وهو كهيئة الأرض . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا داود بن أبـي هند ، قال : قال رجل عند سعيد بن الـمسيب ، وقال مرّة قرأ : { وَيُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } فقال سعيد : إنـما هي : « وَيُنزِلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِـيُطْهِرَكُمْ بِهِ » قال : وقال الشعبـي : كان ذلك طشًّا يوم بدر . وقد زعم بعض أهل العلـم بـالغريب من أهل البصرة ، أن مـجاز قوله : { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَام } ويفرغ علـيهم الصبر وينزله علـيهم ، فـيثبتون لعدوّهم . وذلك قول خلاف لقول جميع أهل التأويـل من الصحابة والتابعين ، وحسب قول خطأ أن يكون خلافـاً لقول من ذكرنا . وقد بـيَّنا أقوالهم فـيه ، وأن معناه : ويثبت أقدام الـمؤمنـين بتلبـيد الـمطر الرمل حتـى لا تسوخ فـيه أقدامهم وحوافر دوابهم . وأما قوله : { إذْ يُوحي رَبُّكَ إلـى الَـملائِكَةِ أنّـي مَعَكُمْ } أنصركم ، { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } يقول : قوّوا عزمهم ، وصححوا نـياتهم فـي قتال عدوّهم من الـمشركين . وقد قـيـل : إن تثبـيت الـملائكة الـمؤمنـين كان حضورهم حربهم معهم ، وقـيـل : كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم ، وقـيـل : كان ذلك بأن الـملك يأتـي الرجل من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم يقول : سمعت هؤلاء القوم ، يعنـي الـمشركين يقولون : والله لئن حملوا علـينا لننكشفن ، فـيحدث الـمسلـمون بعضهم بعضاً بذلك ، فتقوى أنفسهم . قالوا : وذلك كان وحيَ الله إلـى ملائكته . وأما ابن إسحاق ، فإنه قال بـما : حدثنا بن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } أي فآزروا الذين آمنوا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { سأُلْقِـي فِـي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرَّعْبَ فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } . يقول تعالـى ذكره : سأرعب قلوب الذين كفروا بـي أيها الـمؤمنون منكم ، وأملؤها فَرَقا حتـى ينهزموا عنكم ، فـاضربوا فوق الأعناق واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { فَوْقَ الأعْناقِ } فقال بعضهم : معناه : فـاضربوا الأعناق . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبـيه ، عن عطية : { فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ } قال : اضربوا الأعناق . قال : ثنا أبـي ، عن الـمسعودي ، عن القاسم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّـي لَـمْ أُبْعَثْ لاِعَذّبَ بِعَذَابِ اللّهِ ، إنَّـما بُعِثْتُ لِضَرْبِ الأعْناقِ وَشَدّ الوثاقِ " حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ } يقول : اضربوا الرقاب . واحتـجّ قائلو هذه الـمقالة بأن العرب تقول : رأيت نفس فلان ، بـمعنى رأيته ، قالوا : فكذلك قوله : { فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ } إنـما معناه : فـاضربوا الأعناق . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فـاضربوا الرءوس . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : وحدثنا الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة : { فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ } قال : الرءوس . واعتلّ قائلو هذه الـمقالة بأن الذي فوق الأعناق : الرءوس ، وقالوا : وغير جائز أن تقول : فوق الأعناق ، فـيكون معناه : الأعناق . قالوا : ولو جاز كان أن يقال تـحت الأعناق ، فـيكون معناه : الأعناق . قالوا : وذلك خلاف الـمعقول من الـخطاب ، وقلب معانـي الكلام . وقال آخرون : معنى ذلك : فـاضربوا علـى الأعناق . وقالوا : « علـى » و « فوق » معناهما متقاربـان ، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر . والصواب من القول فـي ذلك أن يقال : إن الله أمر الـمؤمنـين معلـمهم كيفـية قتل الـمشركين وضربهم بـالسيف أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل وقوله : { فَوْقَ الأعْناقِ } مـحتـمل أن يكون مراداً به الرءوس ، ومـحتـمل أن يكون مرادا به فوق جلدة الأعناق ، فـيكون معناه : علـى الأعناق وإذا احتـمل ذلك صحّ قول من قال : معناه : الأعناق . وإذا كان الأمر مـحتـملاً ما ذكرنا من التأويـل ، لـم يكن لنا أن نوجهه إلـى بعض معانـيه دون بعض إلاَّ بحجة يجب التسلـيـم لها ، ولا حجة تدلّ علـى خصوصه ، فـالواجب أن يقال : إن الله أمر بضرب رءوس الـمشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم أصحاب نبـيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدراً . وأما قوله : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } فإن معناه : واضربوا أيها الـمؤمنون من عدوّكم كلّ طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم . والبنان : جمع بنانة ، وهي أطراف أصابع الـيدين والرجلـين ، ومن ذلك قول الشاعر : @ ألا لَـيْتَنِـي قَطَّعْتُ مِنِّـي بَنانَةً وَلاقَـيْتُهُ فِـي البَـيْتِ يَقْظانَ حاذِرَا @@ يعنـي بـالبنانة : واحدة البنان . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبـيه ، عن عطية : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } قال : كلّ مفصل . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبـيه ، عن عطية : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } قال : الـمفـاصل . قال : ثنا الـمـحاربـي ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } قال : كلّ مفصل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } قال : الأطراف ، ويقال : كلّ مفصل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } يعنـي بـالبنان : الأطراف . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } قال : الأطراف . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ } يعنـي الأطراف .