Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 11-16)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وإذا السماء نُزعت وجُذبت ، ثم طُويت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { كُشِطَتْ } قال : جُذبت . وذُكر في قراءة عبد الله : « قُشِطَتْ » بالقاف ، والقَشْط والكَشْط : بمعنى واحد ، وذلك تحويل من العرب الكاف قافاً ، لتقارب مخرجيهما ، كما قيل للكافور قافور ، وللقُسط : كُسْط ، وذلك كثير في كلامهم ، إذا تقارب مخرج الحرفين ، أبدلوا من كلّ واحد منهما صاحبه ، كقولهم للأثافي : أثاثي ، وثوب فُرْقُبيّ وثُرْقُبِيّ . وقوله { وَإذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } يقول تعالى ذكره : وإذا الجحيم أُوقد عليها فأُحميت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَإذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } : سعرها غضب الله ، وخطايا بني آدم . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة { سُعِّرَتْ } بتشديد عينها ، بمعنى أُوقد عليها مرّة بعد مرّة ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة بالتخفيف . والقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { وَإذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } يقول تعالى ذكره : وإذا الجنة قرّبت وأُدنيت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خيثم : { وَإذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } قال : إلى هذين ما جرى الحديث : فريق في الجنة ، وفريق في السعير . حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلَى ، عن الربيع { وَإذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } قال : إلى هذين ما جرى الحديث : فريق إلى الجنة ، وفريق إلى النار . يعني الربيع بقوله : إلى هذين ما جرى الحديث أن ابتداء الخبر { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ … } إلى قوله : { وَإذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } إنما عُددت الأمور الكائنة التي نهايتها أحد هذين الأمرين ، وذلك المصير إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . وقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ } يقول تعالى ذكره : علمت نفس عند ذلك ما أَحضرت من خير ، فتصير به إلى الجنة ، أو شرّ فتصير به إلى النار ، يقول : يتبين له عند ذلك ما كان جاهلاً به ، وما الذي كان فيه صلاحه من غيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ } من عمل ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وإلى هذا جرى الحديث . وقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ } جواب لقوله : { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وما بعدها ، كما يقال : إذا قام عبد الله قعد عمرو . وقوله : { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } . اختلف أهل التأويل في الخُنّس الجوار الكُنّس . فقال بعضهم : هي النجوم الدراريّ الخمسة ، تخنِس في مجراها فترجع ، وتكنس فتستتر في بيوتها ، كما تكنِس الظباء في المغار ، والنجوم الخمسة : بَهْرام ، وزُحَل ، وعُطارد ، والزُّهَرَة ، والمُشْتَري . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عُرْعُرة ، أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه ، فقال : ما { الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : هي الكواكب . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن حعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سِماك بن حرب ، قال : سمعت خالد بن عُرْعُرة ، قال : سمعت علياً عليه السلام ، وسُئل عن { لا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتكنِس بالليل . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : النجوم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من مُراد ، عن عليّ : أنه قال : هل تدرون ما الخنس ؟ هي النجوم تجري بالليل ، وتخنس بالنهار . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، أنه سمع الحسن يُسْأل ، فقيل : يا أبا سعيد ما الجواري الْكُنَّس ؟ قال : النجوم . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة بن خليفة ، قال : ثنا عوف ، عن بكر بن عبد الله ، في قوله : { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّس الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : هي النجوم الدراريّ ، التي تجري تستقبل المشرق . حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : هي النجوم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من مراد ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجِوَارِ الْكُنَّسِ } قال : يعني النجوم ، تكنس بالنهار ، وتبدو بالليل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجِوَارِ الْكُنَّسِ } قال : هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، والجوار الكنس : سيرهنّ إذا غبن . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ } قال : الخنس والجواري الكنس : النجوم الخنس ، إنها تخنِس تتأخر عن مطلعها ، هي تتأخر كلّ عام لها في كلّ عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه . والكنس : تكنس بالنهار فلا تُرَى . قال : والجواري تجري بعد ، فهذا الخنس الجواري الكنس . وقال آخرون : هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق السَّبيعيّ ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال لأبي ميسرة : ما الجواري الكنس ؟ قال : فقال بقر الوحش قال : فقال : وأنا أرى ذلك . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله ، في قوله { الجِوَارِي الْكُنَّسِ } : قال : بقر الوحش . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ابن شرحبيل ، قال : قال ابن مسعود : يا عمرو ما الجواري الكنس ، أو ما تراها ؟ قال عمرو : أراها البقر ، قال عبد الله : وأنا أراها البقر . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : سألت عنها عبد الله ، فذكر نحوه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، قال : ثني الحجاج بن المنذر ، قال : سألت أبا الشَّعثاء جابر بن زيد ، عن الجواري الكنس ، قال : هي البقر إذا كَنَست كوانسها . قال يونس : قال لي عبد الله بن وهب : هي البقر إذا فرّت من الذئاب ، فذلك الذي أراد بقوله : كنست كوانسها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال جرير ، وحدثني الصلت بن راشد ، عن مجاهد مثل ذلك . حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله : { الجَوَارِ الكُنَّسِ } قال : هي بقر الوحش . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : سُئل مجاهد ونحن عند إبراهيم ، عن قوله { الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : لا أدري ، فانتهره إبراهيم وقال : لِمَ لا تدري ؟ فقال : إنهم يروُون عن عليّ رضي الله عنه ، وكنا نسمع أنها البقر ، فقال إبراهيم : هي البقر . الجواري الكنس : جِحَرة بقر الوحش التي تأوي إليها ، والخنس الجواري : البقر . حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } فقال إبراهيم لمجاهد : قل فيها ما سمعت ، قال : فقال مجاهد : كنا نسمع فيها شيئاً ، وناس يقولون : إنها النجوم قال : فقال إبراهيم : إنهم يكذبون على عليّ رضي الله عنه ، هذا كما رَوَوا عن عليّ رضي الله عنه ، أنه ضمن الأسفل الأعلى ، والأعلى الأسفل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن المغيرة ، قال : سُئل مجاهد عن الجواري الكنس قال : لا أدري ، يزعمون أنها البقر قال : فقال إبراهيم : ما لا تدري هي البقر قال : يذكرون عن عليّ رضي الله عنه أنها النجوم ، قال : يكذبون على عليّ عليه السلام . وقال آخرون : هي الظباء . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } يعني : الظباء . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ } قال : الظباء . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فَلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } قال : كنا نقول : « أظنه قال » : الظباء ، حتى زعم سعيد بن جُبير أنه سأل ابن عباس عنها ، فأعاد عليه قراءتها . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الخُنَّسِ الجَوَارِ الْكُنَّسِ } يعني الظباء . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحياناً : أي تغيب ، وتجري أحياناً وتكنس أخرى ، وكنوسها : أن تأوي في مكانسها ، والمكانِس عند العرب ، هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء ، واحدها مَكْنِس وكِناس ، كما قال الأعشى : @ فلَمَّا لَحِقْنا الْحَيَّ أتْلَعَ أَنَّسٌ كمَا أتْلَعَتْ تَحْتَ المَكانِسِ رَبْرَبُ @@ فهذه جمع مَكْنِس ، وكما قال في الكِناس طَرَفة بن العبد : @ كأنَّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفانِهَا وأطْرَ قِسِيَ تَحْتَ صُلْبٍ مَؤَيَّدِ @@ وأما الدلالة على أن الكِناس قد يكون للظباء ، فقول أوس بن حَجَر : @ ألَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ أنْزَلَ مُزْنَةً وعُفْرُ الظِّباءِ فِي الْكِناسِ تَقَمَّعُ @@ فالكِناس في كلام العرب ما وصفت ، وغير مُنكر أن يُستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء ، فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر ، ولا البقر دون الظباء ، فالصواب أن يُعَمّ بذلك كلّ ما كانت صفته الخنوس أحياناً ، والجري أخرى ، والكنوس بآنات على ما وصف جلّ ثناؤه من صفتها .