Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-6)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يُطَفِّفون ، يعني : للذين ينقصون الناس ، ويَبْخَسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم ، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء وأصل ذلك من الشيء الطفيف ، وهو القليل النَّزْر ، والمطفِّف : المقلِّل حقّ صاحب الحقّ عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد : هم سواء كطَفّ الصاع ، يعني بذلك : كقرب الممتلىء منه ناقص عن الملء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن ضِرار ، عن عبد الله ، قال : قال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، إن أهل المدينة لَيوفون الكيل ، قال : وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل ، وقد قال الله : { وَيْلٌ للْمُطَفِّفِينَ } حتى بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لما قَدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } فأحسنوا الكيل . حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثنا سلم بن قتيبة ، عن قسام الصيرفي ، عن عكرِمة قال : أشهد أن كلّ كيال ووزّان في النار ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنه ليس منهم أحد يزن كما يتزن ، ولا يكيل كما يكتال ، وقد قال الله : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } . وقوله : { الَّذِينَ إذَا اكْتالُوا عَلى النَّاسِ يَسْتَوفُونَ } يقول تعالى ذكره : الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حقّ ، يستوفون لأنفسهم فيكتالونه منهم وافياً و « على » و « من » في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا قيل : اكتلت منك ، يراد : استوفيت منك . وقوله : { وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ } يقول : وإذا هم كالوا للناس أو وزنوا لهم . ومن لغة أهل الحجاز أن يقولوا : وزنتك حقك ، وكلتك طعامك ، بمعنى : وزنت لك وكلت لك . ومن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى ، جعل الوقف على هم ، وجعل هم في موضع نصب . وكان عيسى بن عمر فيما ذُكر عنه يجعلهما حرفين ، ويقف على كالوا ، وعلى وزنوا ، ثم يبتدىء : هم يُخسرون . فمن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى ، جعل هم في موضع رفع ، وجعل كالوا ووزنوا مكتفيين بأنفسهما . والصواب في ذلك عندي : الوقف على هم ، لأن كالوا ووزنوا لو كانا مكتفيين ، وكانت هم كلاماً مستأنفاً ، كانت كتابة كالوا ووزنوا بألف فاصلة بينها وبين هم مع كل واحد منهما ، إذ كان بذلك جرى الكتاب في نظائر ذلك ، إذا لم يكن متصلاً به شيء من كنايات المفعول ، فكتابهم ذلك في هذا الموضع بغير ألف أوضح الدليل على أن قوله : { هُمْ } إنما هو كناية أسماء المفعول بهم . فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا ، على ما بيَّنا . وقوله : { يُخْسِرُونَ } يقول : ينقصونهم . وقوله : { ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } يقول تعالى ذكره : ألا يظنّ هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم ، أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم ، ليوم عظيم شأنه ، هائل أمره ، فظيع هوله ؟ . وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض ، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ، ردّ إلى مبعوثون ، فكأنه قال : ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض ، لأنها إضافة غير محضة ، ولو خفض ردّاً على اليوم الأوّل لم يكن لحناً ، ولو رفع جاز ، كما قال الشاعر : @ وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ : رِجلٍ صَحِيحةٍ وَرِجْلٍ رَمى فِيها الزَّمانُ فَشُلَّتِ @@ وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة ، حتى يُلْجِمَهم العرق ، فبعض يقول : مقدار ثلاث مئة عام ، وبعض يقول : مقدار أربعين عاماً . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : « يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " » إنَّ النَّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّهِ ، حتى إنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ " ، ثم ذكر مثله . حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : " يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرَّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ " حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا أبي ، عن صالح ، قال : ثنا نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ « : " يَومَ الْقِيامَةِ ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة بن سعيد ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر ، في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } قال : يقومون مئة سنة . حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، حَّتى إنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرَّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ، قالا : ثنا يحيى ، عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ حتَّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ " حدثني محمد بن إبراهيم السِّلِيْميِّ المعروف بابن صدران ، قال : ثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : ثنا عبد السلام ابن عجلان ، قال : ثنا يزيد المدني ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ : " كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيَّامِ الدُّنيْا ، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السَّماءِ ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ؟ " قال بشير : المستعان الله يا رسول الله ، قال : " إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ باللّهِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَسُوءِ الْحِسابِ " حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : ثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : يمكثون أربعين عاماً رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر ، قال : فينادي منادٍ : أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم ، ثم رزقكم ، ثم توليتم غيره ، أن يولِّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا : بلى . ثم ذكر الحديث بطوله . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكْن ، قال : حدث عبد الله ، وهو عند عمر { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاماً ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، ولا يكلِّمهم بشر أربعين عاماً ، ثم ذكر نحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ } قال : ذُكر لنا أن كعباً كان يقول : يقومون ثلاث مئة سنة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران وسعيد ، عن قتادة { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } قال : كان كعب يقول : يقومون مقدار ثلاث مئة سنة . قال : قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ ، قال : بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن ، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة . قال : ثنا مهران ، قال : ثنا العمريّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ } قال : " يَقُومُ الرَّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ " حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : { يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ } حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه . قال يعقوب ، قال إسماعيل : قلت لابن عون : ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؟ قال : نَعَمْ إنْ شاءَ اللّهُ . حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ ، حتى إنَّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ " .