Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-5)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : إذا السماء تصدّعت وتقطَّعت فكانت أبواباً . وقوله : { وأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } يقول : وسمعت السموات في تصدّعها وتشققها لربها ، وأطاعت له في أمره إياها . والعرب تقول : أذِنَ لك في هذا الأمر أذَنا بمعنى : استمع لك ، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما أذِنَ اللّهُ لِشَيْءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيّ يَتَغَنَّى بالقُرآنِ " يعني بذلك : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن ومنه قول الشاعر : @ صُمّ إذَا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عنْدَهُمْ أَذِنوا @@ وأصل قولهم في الطاعة : سمع له من الاستماع ، يقال منه : سمعت لك ، بمعنى سمعت قولك وأطعت ، فيما قلتَ وأمرت . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { وَأذِنَتْ لِرَبِّها } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } قال : سمعت لربها . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } قال : سمعت أوطاعت . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } قال : سمعت . حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } قال : سمعت وأطاعت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ } : أي سمعت وأطاعت . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } قال : سمعت وأطاعت . وقوله : { وحُقَّتْ } يقول : وحَقَّق الله عليها الاستماع بالانشقاق ، والانتهاء إلى طاعته في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله { وَحُقَّتْ } قال : حُقِّقَت لطاعة ربها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبير { وَحُقَّتْ } وحُقّ لها . وقوله : { وَإذَا الأرْضُ مُدَّتْ } يقول تعالى ذكره : وإذا الأرض بُسِطت ، فزيد في سعتها كالذي : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن عليّ بن حسين ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " « إذَا كانَ يَوْم الْقِيامَةِ مَدَّ اللّهُ الأرْضَ حتى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إلاَّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ، فأكُونَ أوَّلَ مَنْ يُدْعَى ، وَجِبْرِيلُ عَنْ يمِينِ الرَّحْمَنِ ، وَاللّهِ ما رآهُ قَبْلَها ، فأقُولُ : يا رَبّ إنَّ هَذَا أخْبَرَنِي أنَّكَ أرْسَلْتَهُ إليَّ ، فَيَقُولُ : صَدَقَ ، ثُمَّ أشْفَعُ فأقولُ : يا رَبّ عِبادُكَ عَبَدُوكَ فِي أطْرَافِ الأرْضِ ، قال : وهُوَ المَقامُ المَحْمُودِ " » حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { مُدَّتْ } قال : يوم القيامة . وقوله : { وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ } يقول جلّ ثناؤه : وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلَّت منهم إلى الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ } قال : أخرجت ما فيها من الموتى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ } قال : أخرجت أثقالها وما فيها . وقوله : { وَأذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ } يقول : وسمعت الأرضُ في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء ، أمرَ ربها وأطاعت { وحُقَّتْ } يقول : وحقَّقها الله للاستماع لأمره في ذلك ، والانتهاء إلى طاعته . واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله : { إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } ، وقوله : { وَإذَا الأرْضُ مُدَّتْ } ، فقال بعض نحويّي البصرة : { إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } على معنى قوله : { يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ } إذا السماء انشقت ، على التقديم والتأخير . وقال بعض نَحويّي الكوفة : قال بعض المفسرين : جواب { إذَا السَّماءُ انْشَّقَّتْ } قوله : { وَأذِنَتْ } قال : ونرى أنه رأي ارتآه المفسر ، وشبَّهه بقول الله تعالى : { حتى إذَا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبْوَابُها } لأنا لم نسمع جواباً بالواو في إذا مبتدأة ، ولا كلام قبلها ، ولا في إذا ، إذا ابتدئت قال : وإنما تجيب العرب بالواو في قوله : حتى إذا كان ، وفلما أن كان ، لم يجاوزوا ذلك قال : والجواب في { إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } وفي { إذَا الأرْضُ مُدَّتْ } كالمتروك ، لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه ، فعُرِف ، وإن شئت كان جوابه : يا أيها الإنسان ، كقول القائل : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الناس تَرَون ما عملتم من خير أو شرّ ، تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسِّر جواب { إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } فيما يلقَى الإنسان من ثواب وعقاب ، فكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقَّت . والصواب من القول في ذلك عندنا : أن جوابه محذوف ، ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه . ومعنى الكلام : إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ ، وقد بين ذلك قوله : { يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } والآياتُ بعدها .