Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-10)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة ، ويخفى نهاراً ، وكلّ ما جاء ليلاً فقد طرق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { والسَّماءِ والطَّارِقِ } قال : السماء وما يطرق فيها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { والسَّماءِ والطَّارِق وَما أدْرَاك ما الطَّارِقُ } قال : طارق يطرق بليل ، ويخفى بالنهار . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { والطَّارِقِ } قال : ظهور النجوم ، يقول : يطرقك ليلاً . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الطَّارِق } النجم . { وَما أدْرَاكَ ما الطَّارِقُ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به ؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه ، فقال : هو النجم الثاقب ، يعني : يتوقد ضياؤه ويتوهَّج . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } يعني : المضيء . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { النَّجْمُ الثاقِبُ } قال : هي الكواكب المضيئة ، وثقوبه : إذا أضاء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } قال : الذي يثقب . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { الثَّاقِبُ } قال : الذي يتوهَج . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ثقوبه : ضوءه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } : المضيء . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } قال : كانت العرب تسمي الثُّريَّا النجم ، ويقال : إن الثاقب النجم الذي يقال له زُحَل . والثاقب أيضاً : الذي قد ارتفع على النجوم ، والعرب تقول للطائر : إذا هو لحق ببطن السماء ارتفاعاً : قد ثَقَب ، والعرب تقول : أثقِب نارك : أي أضئها . وقوله : { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر ، ومن قرّاء الكوفة حمزة { لَمَّا عَلَيْها } بتشديد الميم . وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك . حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا أبو عبيد ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن الحسن أنه كان يقرؤها : { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ } مشدّدة ، ويقول : إلاَّ عليها حافظ ، وهكذا كلّ شيء في القرآن بالتثقيل . وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع ، ومن أهل البصرة أبو عمرو : « لَمَا » بالتخفيف ، بمعنى : إن كلّ نفس لعليها حافظ . وعلى أن اللام جواب « إن » و « ما » التي بعدها صلة . وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد . والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك : التخفيف ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب ، أن يكون معروفاً من كلام العرب ، غير أن الفرّاء كان يقول : لا نعرف جهة التثقيل في ذلك ، ونرى أنها لغة من هُذَيل ، يجعلون إلا مع إن المخففة لَمَا ، ولا يجاوزون ذلك ، كأنه قال : ما كلّ نفس إلاَّ عليها حافظ ، فإن كان صحيحاً ما ذكر الفرّاء ، من أنها لغة هُذَيل ، فالقراءة بها جائزة صحيحة ، وإن كان الاختيار أيضاً إذا صحّ ذلك عندنا ، القراءة الأخرى ، وهي التخفيف ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر . وقد : حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا أبو عبيد ، قال : ثنا معاذ ، عن ابن عون ، قال : قرأت عند ابن سيرين : « إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » فأنكره ، وقال : سبحان الله ، سبحان الله . فتأويل الكلام : إذن : إن كلّ نفس لَعَليها حافظ من ربها ، يحفظ عملها ، وَيَحْصِي عليها ما تكسب من خير أو شرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : « إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » قال : كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : « إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ » : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك . وقوله : { فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ } يقول تعالى ذكره : فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات ، المُنكر قُدرة الله على إحيائه بعد مماته ، { مِمَّ خُلِقَ } يقول : من أيّ شيء خلقه ربه ؟ ثم أخبر جلّ ثناؤه عما خلقه منه ، فقال : { خُلِقَ مِنْ ماءٍ دَافِقٍ } يعني : من ماء مدفوق ، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل ، وهو بمعنى المفعول ، ويقال : إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب ، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت ، كقولهم : هذا سرّ كاتم ، وهمُّ ناصب ، ونحو ذلك . وقوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } يقول : يخرج من بين ذلك ، ومعنى الكلام منهما ، كما يقال : سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير ، بمعنى : يخرج منهما . واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها ، فقال بعضهم : الترائب : موضع القِلادة من صدر المرأة . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاويّ ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن سَلَمة بن سابور ، عن عطية العَوْفيّ ، عن ابن عباس { الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال : الترائب : موضع القِلادة . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والترائِبِ } يقول : من بين ثدي المرأة . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة عن الترائب ، فقال : هذه ، ووضع يده على صدره بين ثدييه . حدثني ابن المثنى ، قال : ثني سلم بن قتيبة ، قال : ثني عبد الله بن النُّعمان الحُدَانيّ أنه سمع عكرِمة يقول : { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال : صُلْب الرجل ، وترائب المرأة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، قال : الترائب : الصدر . قال : ثنا ابن يمان ، عن مِسْعر ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، قال : التَّرَائِبِ : الصدر . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَينَ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ } قال : الترائب : الصدر ، وهذا الصلب ، وأشار إلى ظهره . وقال آخرون : الترائب : ما بين المَنْكِبين والصدر . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن ثَوَير ، عن مجاهد ، قوله : { التَّرَائِبِ } ما بين المنكبين والصدر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { التَّرَائِبِ } قال : أسفل من التراقي . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : الصُّلْب للرجل ، والترائب للمرأة ، والترائب فوق الثديين . وقال آخرون : هو اليدان والرجلان والعينان . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال : فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان ، فتلك الترائب . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال : الترائب : اليدان والرجلان . قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال غيره : الترائب : ماء المرأة وصلب الرجل . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } : عيناه ويداه ورجلاه . وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } يقول : يخرج من بين صُلْب الرجل ونحره . وقال آخرون : هي الأضلاع التي أسفل الصلب . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْب والتَّرَائِبِ } قال : الترائب : الأضلاع التي أسفل الصلب . وقال آخرون : هي عصارة القلب . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث أن معمر بن أبي حَبِيبة المَدِيني حدّثه ، أنه بلغه في قول الله : { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْب والتَّرَائِبِ } قال : هو عُصارة القلب ، ومنه يكون الولد . والصواب من القول في ذلك عندنا : قول من قال : هو موضع القِلادة من المرأة ، حيث تقع عليه من صدرها ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، وبه جاءت أشعارهم ، قال المثقِّب العبدي : @ ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ على تَرِيب كَلَوْنِ العاج ليسَ بذي غُضُونِ @@ وقال آخر : @ والزَّعْفَرَانُ عَلى تَرَائِبِهَا شَرِقاً بِهِ اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ @@ وقوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق ، فجعلكم بشراً سويّاً ، بعد أن كنتم ماء مدفوقاً ، على رجعه لقادر . واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : { عَلى رَجْعِهِ } على ما هي عائدة ، فقال بعضهم : هي عائدة على الماء . وقالوا : معنى الكلام : إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه { لَقادِرٌ } . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : للصُّلب . حدثني عُبيد بن إسماعيل الهباريّ ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : على أن يرد الماء في الإحليل . حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ الوشاء ، قال : ثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم ، عن ورقاء ، عن عبد الله ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن مجاهد ، في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : على ردّ النطفة في الإحليل . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : في الإحليل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : ردّه في الإحليل . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعه لَقادِرٌ } إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماء . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على حبس ذلك الماء لقادر . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال : على رجع ذلك الماء لقادر ، حتى لا يخرج ، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق ، قادر على أن يرجعه . وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن مقاتل بن حَيّان ، عن الضحاك قال : سمعته يقول في قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } يقول : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصِّبا ، ومن الصبا إلى النطفة . وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله : { عَلى رَجْعِهِ } من ذكر الإنسان . وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لقادِرٌ } إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال معنى ذلك : إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حياً ، كهيئته قبل مماته لقادر . وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لقوله : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } فكان في إتباعه قوله : { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } نبأ من أنباء القيامة ، دلالة على أن السابق قبلها أيضاً منه ، ومنه { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } يقول تعالى ذكره : إنه على إحيائه بعد مماته لقادر ، يوم تُبلى السرائر فاليوم من صفة الرجع ، لأن المعنى : إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر . وعُنِي بقوله : { يَوْمَ تُبْلى السَّرَائِرُ } يوم تُخْتَبرُ سرائر العباد ، فيظهر منها يومئذٍ ما كان في الدنيا مستخفياً عن أعين العباد ، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها ، وكلَّفه العمل بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، في قوله : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } قال : ذلك الصوم والصلاة وغُسْل الجنابة ، وهو السرائر ولو شاء أن يقول : قد صُمْتُ وليس بصائم ، وقد صلَّيتُ ولم يصلّ ، وقد اغتسلت ولم يغتسل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } إن هذه السرائر مختبرة ، فأسِرّوا خيراً وأعلنوه إن استطعتم ، ولا قوّة إلا بالله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } قال : تُخْتَبر . وقوله : { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ } يقول تعالى ذكره : فما للإنسان الكافر يومئذٍ من قوّة يمتنع بها من عذاب الله ، وأليم نكاله ، ولا ناصر ينصره ، فيستنقذه ممن ناله بمكروه ، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوّة من عشيرته ، يمتنع بهم ممن أراده بسوء ، وناصر من حليف ينصره على من ظلمه واضطهده . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِر } ينصره من الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَلا ناصِرٍ } قال : من قوّة يمتنع بها ، ولا ناصر ينصره من الله . حدثني عليّ بن سهل ، قال : ثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن سفيان الثوريّ ، في قوله : { مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ } قال : القوّة : العشيرة ، والناصر : الحليف .