Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 14-19)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : قد نجح وأدرك طلبته من تطهَّر من الكفر ومعاصي الله ، وعمل بما أمره الله به ، فأدّى فرائضه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } يقول : من تَزَكَّى من الشرك . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : ثنا هشام ، عن الحسن ، في قوله { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } قال : من كان عمله زاكياً . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } قال : يعمل وَرِعاً . حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عُمر العَدَنيّ ، عن الحكم ، عن عكرِمة ، في قوله : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } من قال : لا إله إلاَّ الله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : قد أفلح من أدّى زكاة ماله . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عليّ بن الأقمر ، عن أبي الأحوص { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } قال : من استطاع أن يرضَخَ فليفعل ، ثم ليقم فليصلّ . حدثنا محمد بن عمارة الرازي ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن عليّ بن الأقمر ، عن أبي الأحوص { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } قال : من رَضَخ . حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عثمان بن سعيد بن مرّة ، قال : ثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة ، فليقدّم بين يدي صلاته زكاته ، فإن الله يقول : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } فمن استطاع أن يقدّم بين يدي صلاته زكاةً فليفعل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } تزكى رجل من ماله ، وأرضى خالقه . وقال آخرون : بل عنى بذلك زكاة الفطر . ذكر من قال ذلك : حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن أبي خلدة ، قال : دخلت على أبي العالية ، فقال لي : إذا غَدَوت غداً إلى العيد فمرّ بي ، قال : فمررت به ، فقال : هل طَعِمت شيئاً ؟ قلت : نعم ، قال : أَفَضْت على نفسك من الماء ؟ قلت : نعم ، قال : فأخبرني ما فعلت بزكاتك ؟ قلت : قد وجَّهتها ، قال : إنما أردتك لهذا ، ثم قرأ : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وقال : إن أهل المدينة لا يَرَون صدقة أفضل منها ، ومن سِقاية الماء . وقوله : { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } فقال بعضهم : معنى ذلك : وحَّد الله . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } يقول : وحَّد الله سبحانه وتعالى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وذكر الله ودعاه ورغب إليه . والصواب من القول في ذلك : أن يقال : وذكر الله فوحّده ، ودعاه ورغب إليه ، لأن كلّ ذلك من ذكر الله ، ولم يخصُصِ الله تعالى من ذكره نوعاً دون نوع . وقوله : { فَصَلَّى } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عُنِي به : فصّلى الصلوات الخمس . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { فَصَلَّى } يقول : صَّلى الصلوات الخمس . وقال آخرون : عني به : صلاة العيد يوم الفطر . وقال آخرون : بل عُني به : وذكر اسم ربه فدعا وقالوا : الصلاة هاهنا : الدعاء . والصواب من القول أن يقال : عُنِي بقوله : { فَصَلَّى } : الصلوات ، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء . وقوله : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنيْا } يقول للناس : بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الآخرة { والآخِرَةُ خَيْرٌ لَكُمْ وأبْقَى } يقول : وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى ، لأن الحياة الدنيا فانية ، والآخرة باقية ، لا تنفَدُ ولا تفنى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنيْا } فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله . وقوله : { وَالآخِرَةُ خَيْرٌ } في الخير { وأبْقَى } في البقاء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن عطاء ، عن عَرْفَجَة الثقفيِّ ، قال : استقرأت ابن مسعود { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } ، فلما بلغ : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنيْا } ترك القراءة ، وأقبل على أصحابه ، وقال : آثرنا الدنيا على الآخرة ، فسكت القوم ، فقال : آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها ، وزُوِيت عنا الآخرة ، فاخترنا هذا العاجل ، وتركنا الآجل . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنيْا } فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الأمصار : { بَلْ تُؤْثِرُونَ } بالتاء ، إلا أبا عمرو ، فإنه قرأه بالياء ، وقال : يعني الأشقياء . والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ : { بَلْ أنْتُمْ تُؤْثِرُونَ } فذلك أيضاً شاهد لصحة القراءة بالتاء . وقوله : { إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى } اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا ، فقال بعضهم : أُشير به إلى الآيات التي في « سبح اسم ربك الأعلى » . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرِمة { إنَّ هَذَا لفِي الصُّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } يقول : الآيات التي في سبح اسم ربك الأعلى . وقال آخرون : قصة هذه السورة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية { إن هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } قال : قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن هذا الذي قصّ الله تعالى في هذه السورة { لَفِي الصُّحُفِ الأُولى } . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى } قال : إن هذا الذي قصّ الله في هذه السورة ، لفي الصحف الأولى { صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } . وقال آخرون : بل عُنِي بذلك إن قوله : { وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وأبْقَى } في الصحف الأولى . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى } قال : تتابعت كتب الله كما تسمعون ، أن الآخرة خير وأبقى . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } قال : في الصحف التي أنزلها الله على إبراهيم وموسى : أن الآخرة خير من الأولى . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن قوله : { قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكى وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنيْا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأبْقَى } : لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم خليل الرحمن ، وصحف موسى بن عمران . وإنما قلت : ذلك أولى بالصحة من غيره ، لأن هذا إشارة إلى حاضر ، فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها ، أولى من أن يكون إشارة إلى غيره . وأما الصحف : فإنها جمع صحيفة ، وإنما عُنِي بها : كتب إبراهيم وموسى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخلد ، قال : نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لستّ ليال خلون من رمضان ، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة ، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة ، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين .