Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-7)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الأعْلىَ } فقال بعضهم : معناه : عظِّم ربك الأعلى ، لا ربّ أعلى منه وأعظم . وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال : سبحان ربي الأعلى . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عمر أنه كان يقرأ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلىَ } : سبحان ربي الأعلى { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } قال : وهي في قراءة أُبيّ بن كعب كذلك . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن السُّديّ ، عن عبد خير ، قال : سمعت علياً رضي الله عنه قرأ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } فقال : سبحان ربي الأعلى . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق الهمْداني ، أن ابن عباس كان إذا قرأ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ } فأتى على آخرها { ألَيْسَ ذَلك بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِي المَوْتَى } ؟ يقول : سبحانك اللهمّ وبَلَى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : سبحان ربيَ الأعلَى . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن داود ، عن زياد بن عبد الله ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } سبحان ربي الأعلَى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : نزّه يا محمد اسم ربك الأعلى ، أن تسمي به شيئاً سواه ، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون ، من تسميتهم آلهتهم بعضَها اللات ، وبعضَها العزَّى . وقال غيرهم : بل معنى ذلك : نزّهِ الله عما يقول فيه المشركون كما قال : { وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعَونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فيَسبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيرِ عِلْمٍ } وقالوا : معنى ذلك : سبح ربك الأعلى قالوا : وليس الاسم معنياً . وقال آخرون : نزّه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه ، أن تذكره إلاَّ وأنت له خاشع متذلل قالوا : وإنما عُنِي بالاسم : التسمية ، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر . وقال آخرون : معنى قوله : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } : صلّ بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك : صلّ وأنت له ذاكر ، ومنه وَجِل خائف . وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب : قول من قال : معناه : نزّه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان ، لما ذكرت من الأخبار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا : سبحان ربيَ الأعلى ، فبَيَّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوماً : عظم اسم ربك ، ونزّهه . وقوله : { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } يقول : الذي خلق الأشياء فسوّى خلقها ، وعدّلها والتسوية التعديل . وقوله : { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } يقول تعالى ذكره : والذي قدّر خلقه فهدى . واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُني بقوله : { فَهَدَى } ، فقال بعضهم : هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ ، والبهائم للمراتع . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { قَدَّرَ فَهَدَى } قال : هدى الإنسان للشِّقوة والسعادة ، وهَدى الأنعام لمراتعها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : هدى الذكور لمأتى الإناث . وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى . والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله عمّ بقوله { فَهَدَى } الخبر عن هدايته خلقه ، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى ، وقد هداهم لسبيل الخير والشرّ ، وهدى الذكور لمأتى الإناث ، فالخبر على عمومه ، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة ، دالّ على خصوصه . واجتمعت قرّاء الأمصار على تشديد الدال من قَدَّر ، غير الكسائي فإنه خفَّفها . والصواب في ذلك التشديد ، لإجماع الحجة عليه . وقوله : { وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى } يقول : والذي أخرج من الأرض مرعَى الأنعام ، من صنوف النبات وأنواع الحشيش . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن مكرم ، قال : ثنا الحفريّ ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رَزِين { أَخْرَجَ المَرْعَى } قال : النبات . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى … } . الآية ، نبت كما رأيتم ، بين أصفر وأحمر وأبيض . وقوله : { فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى } يقول تعالى ذكره : فجعل ذلك المرعَى غُثاء ، وهو ما جفّ من النبات ويبس ، فطارت به الريح وإنما عُنِي به هاهنا أنه جعله هشيماً يابساً متغيراً إلى الحُوَّة ، وهي السواد ، من بعد البياض أو الخُضرة ، من شدّة اليبس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { غُثاءً أحْوَى } يقول : هَشيماً متغيراً . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { غُثاءً أحْوَى } قال : غُثاء السيل أحوى ، قال : أسود . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { غُثاءً أحْوَى } قال : يعود يبساً بعد خُضرة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى } قال : كان بقلاً ونباتاً أخضر ، ثم هاج فيبُس ، فصار غُثاء أحوى ، تذهب به الرياح والسيول . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخَّر الذي معناه التقديم ، وأن معنى الكلام : والذي أخرج المرعى أحوى : أي أخضر إلى السواد ، فجعله غثاء بعد ذلك ، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرُّمة : @ حَوَّاءُ قَرْحاءُ أشْراطِيَّةُ وكَفَتْ فِيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَرَاعِيمُ @@ وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات ، قد تسميه العرب أسود ، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاَّ بتقديمه عن موضعه ، أو تأخيره ، فإما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير . وقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلاَّ ما شاءَ اللّهُ } يقول تعالى ذكره : سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه ، إلاَّ ما شاء الله . ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله { فلا تَنْسَى إلاَّ ما شاءَ اللّهُ } فقال بعضهم : هذا إخبار من الله نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن ، ويحفظه عليه ، ونهي منه أن يعجل بقراءته ، كما قال جلّ ثناؤه : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ } ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى } قال : كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى . فقال قائلو هذه المقالة : معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان ، ومعنى الكلام : فلا تنسى ، إلاَّ ما شاء الله أن تنساه ، ولا تذكُرَه ، قالوا : ذلك هو ما نسخه الله من القرآن ، فرفع حكمه وتلاوته . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى } كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً { إلاَّ ما شاءَ اللّهُ } . وقال آخرون : معنى النسيان في هذا الموضع : الترك وقالوا : معنى الكلام : سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه ، إلاَّ ما شاء الله أن تترك العمل به ، مما ننسخه . وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك : لم يشأ الله أن تنسى شيئاً ، وهو كقوله : { خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّمَوَاتُ والأرْضُ إلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ } ولا يشاء . قال : وأنت قائل في الكلام : لأعطينك كلّ ما سألت إلاَّ ما شئت ، وإلاَّ أن أشاء أن أمنعك ، والنية أن لا تمنعه ، ولا تشاء شيئاً . قال : وعلى هذا مجارِي الأَيمان ، يستثنى فيها ، ونية الحالف : اللمام . والقول الذي هو أولى بالصواب عندي ، قول من قال : معنى ذلك : فلا تنسى إلاَّ أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك أظهر معانيه . وقوله : { إنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَما يَخْفَى } يقول تعالى ذكره : إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك ، ما أظهرته وأعلنته { وَما يَخْفَى } يقول : وما يخفى منه فلم تظهره ، مما كتمته ، يقول : هو يعلم جميع أعمالك ، سرّها وعلانيتها يقول : فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به .