Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 24-30)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحيَاتِي } يقول تعالى ذكره مخبراً عن تلهُّف ابن آدم يوم القيامة ، وتندّمه على تفريطه في الصَّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد ، في نعيم لا انقطاع له : يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه ، التي لا موت بعدها ، ما ينجيني من غضب الله ، ويوجب لي رضوانه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هَوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ وأنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي } قال : علم الله أنه صادق ، هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي } : هُناكُم والله الحياة الطويلة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي } قال : الآخرة . وقوله : { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أحَدٌ } أجمعت القرّاء قرّاء الأمصار في قراءة ذلك على على كسر الذال من يعذّب ، والثاء من يوثِق ، خلا الكسائي ، فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء ، اعتلالاً منه بخبر رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك ، واهي الإسناد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن خالد الحذّاء ، عن أبي قِلابة ، قال : ثني من أقرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم : « فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ » . والصواب من القول في ذلك عندنا : ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك كسر الذال والثاء ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . فإذَا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : فيومئذٍ لا يعذَّب بعذاب الله أحد في الدنيا ، ولا يوثق كوثاقه يومئذٍ أحد في الدنيا . وكذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ } ولا يوثِق كوثاق الله أحد . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أحَدٌ } قال : قد علم الله أن في الدنيا عذاباً وَوَثاقاً ، فقال : فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحد في الدنيا ، ولا يُوثِقُ وثاقه أحد في الدنيا . وأما الذي قرأ ذلك بالفتح ، فإنه وجَّه تأويله إلى : فيومئذٍ لا يعذَّب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذٍ ، ولا يوثَق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذٍ . وقد تأوّل ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين : فيومئذٍ لا يعذَّب عذاب الكافر أحَد ولا يُوثَق وَثاق الكافر أحد . وقال : كيف يجوز الكسر ، ولا معذّب يومئذٍ سوى الله وهذا من التأويل غلط . لأن أهل التأويل تأوّلوه بخلاف ذلك . مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل ، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك ، إلاَّ ذهابه عن وجه صحته في التأويل . وقوله : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئنَّةُ ارْجِعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة : يا أيتها النفس المطمئنة ، يعني بالمطمئنة : التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به ، في الدنيا من الكرامة في الآخرة ، فصدّقت بذلك . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { يا أيَّتُها النْفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } يقول : المصدّقة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : المطمئنة إلى ما قال الله ، والمصدّقة بما قال . وقال آخرون : بل معنى ذلك : المصدّقة الموقِنة بأن الله ربها ، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : النفس التي أيقنت أن الله ربها ، وضربت جأشاً لأمره وطاعته . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : أيقنت بأن الله ربُّها ، وضربت لأمره جأشاً . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة } قال : أيقنت بأن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { المُطْمَئِنَّةُ } قال : المُخبِتة والمطمئنة إلى الله . حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : التي قد أيقنت بأن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : المخبِتة . حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : التي أيقنت بلقاء الله ، وضربت له جأشاً . وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ : « يا أيَّتُها النَّفْسُ الآمِنَةُ » . ذكر الرواية بذلك : حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، عن هارون القاري ، قال : ثني هلال ، عن أبي شيخ الهنائي في قراءة أُبيّ : « يا أيَّتُها النَّفْسُ الآمِنَةُ المُطْمِئَنَّةُ » وقال الكلبي : إن الآمنة في هذا الموضع ، يعني به المؤمنة . وقيل : إن ذلك قول الملك للعبد عند خروج نفسه مبشره برضا ربه عنه ، وإعداده ما أعدْ له من الكرامة عنده . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : قُرئت : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : إن هذا لحسن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنَّ المَلَكَ سَيَقُولُهَا لك عِنْدَ المَوْتِ " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح { ارْجِعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } قال : هذا عند الموت { فادْخُلِي فِي عِبادِي } قال هذا يوم القيامة . وقال آخرون في ذلك بما : حدثنا به أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أُسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } قال : بُشِّرت بالجنة عند الموت ، ويوم الجمع ، وعند البعث . وقوله : { ارْجِعي إلى رَبِّكِ } اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا : وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } قال : تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فادْخُلِي فِي عبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد ، فيأتون الله كما خلقهم أوّل مرّة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن عكرِمة في هذه الآية : { ارْجِعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } إلى الجسد . وقال آخرون : بل يقال ذلك لها عند الموت . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح { ارْجِعي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } قال : هذا عند الموت { فادْخُلِي فِي عِبادِي } قال : هذا يوم القيامة . وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله : { فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي } . اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فادخلي في عبادي الصالحين ، وادخلي جنتي . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فادْخُلِي فِي عِبادِي } قال : ادخلي في عبادي الصالحين { وَادْخُلِي جَنَّتِي } . وقال آخرون : معنى ذلك : فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنَّتِي . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن نعيم بن ضمضم ، عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مُزاحم : { فادْخُلِي فِي عِبادِي } قال : في طاعتي { وَادْخُلِي جَنَّتِي } قال : في رحمتي . وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجِّه معنى قوله : { فادْخُلِي فِي عِبادي } إلى : فادخلي في حزبي . وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأوّل ذلك { يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ } بالإيمان ، والمصدّقة بالثواب والبعث ارجعي ، تقول لهم الملائكة : إذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم { ارْجِعي إلى رَبِّكِ } إلى ما أعدّ الله لك من الثواب قال : وقد يكون أن تقول لهم شِبْه هذا القول : ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع قال : وأنت تقول للرجل : ممن أنت ؟ فيقول : مُضَريّ ، فتقول : كن تميمياً أو قيسياً ، أي أنت من أحد هذين ، فتكون كن صلة ، كذلك الرجوع يكون صلة ، لأنه قد صار إلى القيامة ، فكان الأمر بمعنى الخبر ، كأنه قال : أيتها النفس ، أنت راضية مرضية . وقد رُوي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك : « فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي » . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليمان بن قَتَّةَ ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : « فادْخُلِي فِي عَبْدِي » على التوحيد . حدثني خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، عن هارون القاري ، قال : ثني هلال ، عن أبي الشيخ الهنائي : « فادْخُلِي فِي عَبْدِي » . وفي قول الكلبيّ : « فادْخُلِي فِي عَبْدِي ، وَادْخُلِي فِي جَنَّتِي » يعني : الروح ترجع في الجسد . والصواب من القراءة في ذلك فادخُلي في عِبادي بمعنى : فادخلي في عبادي الصالحين . لإجماع الحجة من القراء عليه .