Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ومن القوم الذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون ، ومن أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون . وقوله : { مَرَدُوا على النِّفاقِ } يقول : مرنوا عليه ودربوا به ، ومنه شيطان مارد ومريد : وهو الخبيث العاتي ، ومنه قيل : تمرّد فلان على ربه : أي عتا ومرد على معصيته واعتادها . وقال ابن زيد في ذلك ، ما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَردُوا على النِّفاقِ } قال : أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب الآخرون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَردُوا على النِّفاقِ } أي لجّوا فيه وأبو غيره . لا تَعْلَمُهُمْ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تعلم يا محمد أنت هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة ، ولكنا نحن نعلمهم . كما : حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِن الأعْرَابِ مُنافِقُون … } إلى قوله : { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } قال : فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة وفلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك قال نبيّ الله نوح عليه السلام : { وما عِلْمِي بِمَا كانُوا يَعْمَلُون } ، وقال نبي الله شعيب عليه السلام : { بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ وما أنا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } وقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : { لا تَعْلَمُهُمْ نحْنُ نَعْلَمُهُمْ } . وقوله : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } يقول : سنعذّب هؤلاء المنافقين مرّتين : إحداهما في الدنيا ، والأخرى في القبر . ثم اختلف أهل التأويل في التي في الدنيا ما هي فقال بعضهم : هي فضيحتهم فضحهم الله بكشف أمورهم وتبيين سرائرهم للناس على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، في قول الله : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُون مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا على النِّفاقِ … } إلى قوله : { عَذَابٍ عَظِيمٍ } قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة ، فقال " اخْرُجْ يا فُلانُ فإنَّكَ مُنافِقٌ اخْرُج يا فُلانُ فإنَّك مُنافِقٌ " فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم . فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظنّ أن الناس قد انصرفوا واختبئوا هم من عمر ، ظنوا أنه قد علم بأمرهم . فجاء عمر فدخل المسجد ، فإذا الناس لم يصلوا ، فقال له رجل من المسلمين : أبشر يا عمر ، فقد فضح الله المنافقين اليوم فهذا العذاب الأوّل حين أخرجهم من المسجد ، والعذاب الثاني : عذاب القبر . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك : { سَنُعَذّبُهم مَرَّتَيْنِ } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فيذكر المنافقين فيعذّبهم بلسانه ، قال : وعذاب القبر . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : القتل والسباء . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } بالجوع ، وعذاب القبر . قال : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } يوم القيامة . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا جعفر بن عون والقاسم ويحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : بالجوع والقتل ، وقال يحيى : بالخوف والقتل . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : بالجوع والقتل . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : بالجوع ، وعذاب القبر . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : بالجوع والقتل . وقال آخرون : معنى ذلك : سنعذّبهم عذاباً في الدنيا وعذاباً في الآخرة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } عذاب الدنيا وعذاب القبر . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلاً من المنافقين ، فقال : " سِتّة مِنْهم تَكْفِيكَهُمُ الدّبيلة ، سِرَاجٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّم يأْخُذُ في كَتِفِ أحَدِهِمْ حتى يُفْضي إلى صَدْرِهِ ، وسِتّة يموتون مَوْتاً " ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رحمه الله كان إذا مات رجل يرى أنه منهم ونظر إلىٰ حذيفة ، فإن صلى عليه صلى عليه وإلا تركه . وذكر لنا أن عمر قال لحذيفة : أنشدك الله أمنهم أنا ؟ قال : لا والله ، ولا أؤمن منها أحداً بعدك حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : عذاب الدنيا وعذاب القبر . حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن العلاء ، قالا : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : عذابا في الدنيا وعذابا في القبر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردونَ إلى عذاب النار . وقال آخرون : كان عذابهم إحدى المرّتين مصائبهم في أموالهم وأولادهم ، والمرّة الأخرى في جهنم . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : أما عذاب في الدنيا : فالأموال والأولاد ، وقرأ قول الله : { فَلا تُعْجِبْكَ أمْوَالُهُمْ وَلا أوْلادُهُمْ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لَيُعَذّبُهُمْ بِها فَي الحَياةِ الدُّنْيا } بالمصائب فيهم ، هي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر . قال : وعذاب في الآخرة في النار . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } قال : النار . وقال آخرون : بل إحدى المرّتين : الحدود ، والأخرى : عذاب القبر . ذكر ذلك عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ . وقال آخرون : بل إحدى المرّتين : أخذ الزكاة من أموالهم ، والأخرى : عذاب القبر . ذُكر ذلك عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن . وقال آخرون : بل إحدى المرّتين عذابهم بما يدخل عليهم من الغيظ في أمر الإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { سَنُعَذّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قال : العذاب الذي وعدهم مرّتين فيما بلغني عنهم ما هم فيه من أمر الإسلام وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبر إذ صاروا إليه ، ثم العذاب العظيم الذي يردّونَ إليه عذاب الآخرة ويخلدون فيه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : إن الله أخبر أنه يعذب هؤلاء الذين مردوا على النفاق مرّتين ، ولم يضع لنا دليلاً نتوصل به إلى علم صفة ذينك العذابين وجائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم ، وليس عندنا علم بأيّ ذلك من بأيّ . على أن في قوله جلّ ثناؤه : { ثُمَّ يِرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } دلالة على أن العذاب في المرّتين كلتيهما قبل دخولهم النار ، والأغلب من إحدى المرّتين أنها في القبر . وقوله : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } يقول : ثم يردّ هؤلاء المنافقون بعد تعذيب الله إياهم مرّتين إلى عذاب عظيم ، وذلك عذاب جهنم .