Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 37-37)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ما النسيء إلا زيادة في الكفر ، والنسيء مصدر من قول القائل : نسأت في أيامك ونسأ الله في أجلك : أي زاد الله في أيام عمرك ومدة حياتك حتى تبقى فيها حيًّا . وكل زيادة حدثت في شيء ، فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه نسيء ولذلك قيل للبن إذا كثر بالماء نسيء ، وقيل للمرأة الحبلى نسوء ، ونُسئت المرأة ، لزيادة الولد فيها وقيل : نسأت الناقة وأنسأتها : إذا زجرتها ليزداد سيرها . وقد يحتمل أن النسيء فعيل صرف إليه من مفعول ، كما قيل : لعين وقتيل ، بمعنى : ملعون ومقتول ، ويكون معناه : إنما الشهر المؤخر زيادة في الكفر . وكأنَّ القول الأول أشبه بمعنى الكلام ، وهو أن يكون معناه : إنما التأخير الذي يؤخره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة وتصييرهم الحرام منهن حلالاً والحلال منهنّ حراما ، زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته . وقد كان بعض القرّاء يقرأ ذلك : « إنَّمَا النَّسي » بترك الهمز وترك مده : { يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } . واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة الكوفيين : { يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } بمعنى : يضل الله بالنسيء الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : { يَضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } بمعنى : يزول عن حجة الله التي جعلها لعباده طريقا يسلكونه إلى مرضاته الذين كفروا . وقد حُكي عن الحسن البصري : { يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } بمعنى : يضلّ بالنسيء الذي سنة الذين كفروا ، الناس . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : هما قراءتان مشهورتان ، قد قرأت بكلّ واحدة القرّاء أهل العلم بالقرآن والمعرفة به ، وهما متقاربتا المعنى ، لأن من أضله الله فهو ضالّ ومن ضلّ فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضلّ ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو للصواب في ذلك مصيب . وأما الصواب من القراء في النسيء ، فالهمز ، وقراءته على تقدير فعيل ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا يجوز خلافها فيما أجمعت عليه . وأما قوله : { يُحِلُّونَهُ عاماً } فإن معناه : يحلّ الذين كفروا النسيء ، والهاء في قوله : { يُحِلُّونَهُ } عائدة عليه . ومعنى الكلام : يحلون الذين أخروا تحريمه من الأشهر الأربعة الحرم عاماً ويحرّمونه عاماً ، { لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ } يقول : ليوافقوا بتحليلهم ما حللوا من الشهور وتحريمهم ما حرّموا منها ، عدّة ما حرّم الله { فَيْحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالِهِمُ } يقول : حسن لهم وحبّب إليهم سيىء أعمالهم وقبيحها وما خولف به أمر الله وطاعته . { وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينِ } يقول : والله لا يوفِّق لمحاسن الأفعال وحلها وما لله فيه رضا ، القوم الجاحدين توحيده والمنكرين نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه يخذلهم عن الهدى كما خذل هؤلاء الناس عن الأشهر الحرم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : النسيء : هو أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام ، وكان يكنى أبا ثمامة ، فينادي : ألا إن أبا ثمامة لا يْحَابُ ولا يعاب ، ألا وإن صفر العام الأوّل حلال فيحلّه الناس ، فيحرّم صفر عاماً ، ويحرّم المحرّم عاماً ، فذلك قوله تعالى : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ … } إلى قوله : { الكَافِرينَ } . وقوله : { إنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } يقول : يتركون المحرّم عاماً ، وعاماً يحرّمُونه . قال أبو جعفر : وهذا التأويل من تأويل ابن عباس يدلّ على صحة قراءة من قرأ « النسي » بترك الهمز وترك المدّ ، وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه فعل من قول القائل : نسيت الشيء أنساه ، ومن قول الله : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } بمعنى : تركوا الله فتركهم . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : فهو المحرّم كان يحرّم عاماً وصفر عاماً ، وزيد صفر آخر في الأشهر الحرم ، وكانوا يحرّمون صفراً مرّة ويحلونه مرّة ، فعاب الله ذلك ، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم تفعله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : كان النسيء رجلاً من بني كنانة ، وكان ذا رأي فيهم ، وكان يجعل سنة المحرّم صفراً ، فيغزون فيه فيغتنمون فيه ويصيبون ، ويحرّمه سنة . قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ … } الآية ، وكان رجل من بني كنانة يسمى النسيء ، فكان يجعل المحرّم صفر ويستحل فيه الغنائم ، فنزلت هذه الآية . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا إدريس ، قال : سمعت ليثاً ، عن مجاهد ، قال : كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام في الموسم على حمار له ، فيقول : أيها الناس إني لا أُعاب ولا أُجاب ، ولا مردّ لما أقول إنا قد حرّمنا المحرّم ، وأخرنا صفر ثم يجيء العام المقبل بعده ، فيقول مثل مقالته ، ويقول : إنا قد حرمنا صفر ، وأخرنا المحرّم فهو قوله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ } قال : يعني الأربعة ، فيحلوا ما حرّم الله لتأخير هذا الشهر الحرام . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } النسيء : المحرّم ، وكان يحرّم المحرّم عاما ويحرّم صفراً عاماً ، فالزيادة صفر ، وكانوا يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرّم ، فيحلوا ما حرّم الله ، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم يعظمونه ، هم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ … } إلى قوله : { الكافِرِينَ } عمد أناس من أهل الضلالة ، فزادوا صفراً في الأشهر الحرم ، فكان يقوم قائمهم في الموسم ، فيقول : ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرّم فيحرّمونه ذلك العام . ثم يقول في العام المقبل فيقول : ألا إن آلهتكم قد حرّمت صفر فيحرّمونه ذلك العام . وكان يقال لهما : الصفران . قال : فكان أوّل من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة : أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني فقيم بن الحرث ، ثم أحد بني كنانة . حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : فرض الله الحجّ في ذي الحجة . قال : وكان المشركون يسمون الأشهر : ذو الحجة ، والمحرّم ، وصفر ، وربيع ، وربيع ، وجمادى ، وجمادى ، ورجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، يحجون فيه مرّة ثم يسكتون عن المحرّم فلا يذكرونه ، ثم يعودون فيسمون صفر صفر ، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة ، ثم يسمون شعبان رمضان ، ثم يسمون رمضان شوالاً ، ثم يسمون ذا القعدة شوّالاً ، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ، ثم يسمون المحرّم ذا الحجة فيحجون فيه ، واسمه عندهم ذو الحجة . ثم عادوا بمثل هذه القصة ، فكانوا يحجون في كل شهر عامين ، حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة . ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم حجته التي حجّ ، فوافق ذا الحجة ، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : " إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ والأرْضَ " حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : حجوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرّم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين ، حتى وافقت حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة . ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة . فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : " إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ والأرْضَ " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن أبي مالك : { إنَّمَا النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } قال : كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشراً شهراً ، فيجعلون المحرّم صفراً ، فيستحلون فيه الحرمات . فأنزل الله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا . … } الآية . قال : هذا رجل من بني كنانة يقال له القَلَمَّس ، كان في الجاهلية ، وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام ، يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمدّ إليه يده . فلما كان هو ، قال : اخرجوا بنا قالوا له : هذا المحرم . فقال : ننسئه العام ، هما العام صفران ، فإذا كان عام قابل قضينا فجعلناهما محرمين قال : ففعل ذلك . فلما كان عام قابل ، قال : لا تغزوا في صفر حرّموه مع المحرّم ، هما محرّمان المحرم أنسأناه عاماً أوّل ونقضيه ذلك الإنساء . وقال شاعرهم : @ وَمِنَّا مُنْسِيءُ الشَّهْرِ القَلَمَّسْ @@ وأنزل الله : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ … } إلى آخر الآية . وأما قوله : { زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } فإن معناه : زيادة كفر بالنسيء إلى كفرهم بالله . وقيل ابتداعهم النسيء كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ } يقول : ازدادوا به كفراً إلى كفرهم . وأما قوله : { لِيُوَاطِئُوا } فإنه من قول القائل : واطأت فلاناً على كذا أواطئه مواطأة : إذا وافقته عليه ، معينا له ، غير مخالف عليه . ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ } يقول : يشبهون . وذلك قريب المعنى مما بيَّنا ، وذلك أن ما شابه الشيء فقد وافقه من الوجه الذي شابهه . وإنما معنى الكلام : أنهم يوافقون بعدة الشهور التي يحرّمونها عدة الأشهر الأربعة التي حرّمها الله ، لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها ، وإن قدّموا وأخَّروا فذلك مواطأة عدتهم عدّة ما حرّم الله .