Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه الآية حثٌّ من الله جلّ ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو الروم ، وذلك غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك . يقول جلّ ثناؤه : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله { ما لَكُمْ } أيّ شيء أمركم ، { إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلَ اللَّهِ } يقول : إذا قال لكم رسول الله محمد : انفروا أي اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم . وأصل النفر : مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك ، ومنه نفور الدابة غير أنه يقال من النفر إلى الغزو : نفر فلان إلى ثغر كذا يَنْفِرُ نَفْراً ونَفِيراً ، وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه وإن اتفقت معاني الخبر فمعنى الكلام : ما لكم أيها المؤمنون إذ قيل لكم : اخرجوا غزاه في سبيل الله أي في جهاد أعداء اللَّه ، { اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرْضِ } يقول تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها . وقيل : « اثَّاقلتم » لأنه أدغم التاء في الثاء . فأحدث لها ألف ليتوصل إلى الكلام بها . لأن التاء مدغمة في الثاء ، ولو أسقطت الألف وابتدىء بها لم تكن إلا متحركة ، فأحدثت الألف لتقع الحركة بها ، كما قال جلّ ثناؤه : حتى إذَا ادّاركُوا فِيهَا جَمِيعاً وكما قال الشاعر : @ تُولي الضجيجَ إذا ما اسْتافَها خَصِراً عَذْبَ المَذاقِ إذَا ما اتَّابَعَ القُبَلُ @@ فهو بني الفعل افتعلتم من التثاقل . وقوله : { أرَضِيتُمْ بالحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ } يقول جلّ ثناؤه ، أرضيتم بحظّ الدنيا والدعة فيها عوضاً من نعيم الآخرة وما عند الله للمتقين في جنانه ؟ { فَمَا مِتَاعُ الحَياةِ الدّنْيَا فِي الآخِرةِ } يقول : فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا من عيشها ولذّاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدّها الله لأوليائه وأهل طاعته { إلاَّ قَلِيلٌ } يسير . يقول لهم : فاطلبوا أيها المؤمنون نعيم الآخرة وترف الكرامة التي عند الله لأوليائه بطاعته ، والمسارعة إلى الإجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوّه . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { ما لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلَ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرضِ } أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد الطائف ، وبعد حنين . أمروا بالنفير في الصيف حين خُرِفَت النخل ، وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشقّ عليهم المخرج . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { يا أيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلَ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرض … } الآية ، قال : هذا حين أُمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحنين ، وبعد الطائف أمرهم بالنفير في الصيف ، حين اخْتُرِفَت النخل ، وطابت الثمار ، واشتهُوا الظلال ، وشقّ عليهم المخرج . قال : فقالوا : منا الثقيل ، وذو الحجة ، والضيَّعة ، والشغل ، والمنتشر به أمره في ذلك . فأنزل الله كله : { انْفِرُوا خفافاً وثَقالاً }