Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا إعلام من الله أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم ، أعانوه أو لم يعينوه ، وتذكير منه لهم فعل ذلك به ، وهو من العدد في قلة والعدوّ في كثرة ، فكيف به وهو من العدد في كثرة والعدوّ في قلَّة ؟ يقول لهم جلّ ثناؤه : إلا تنفروا أيها المؤمنون مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه ، فالله ناصره ومعينه على عدوّه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم كما نصره إذ أخرجه الذين كفروا بالله من قريش من وطنه وداره { ثانِيَ اثْنَيْنِ } يقول : أخرجوه وهو أحد الاثنين : أي واحد من الاثنين ، وكذلك تقول العرب : « هُوَ ثانِيَ اثْنَيْنِ » يعني أحد الاثنين ، وثالث ثلاثة ، ورابع أربعة ، يعني : أحد ثلاثة ، وأحد الأربعة ، وذلك خلاف قولهم : هو أخو ستة وغلام سبعة ، لأن الأخ والغلام غير الستة والسبعة ، وثالث الثلاثة : أحد الثلاثة . وإنما عنى جلّ ثناؤه بقوله : { ثانِيَ اثْنَيْنِ } رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، رضي الله عنه ، لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش ، إذ همّوا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار . وقوله : { إذْ هُما فِي الغارِ } يقول إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رحمة الله عليه في الغار والغار : النقب العظيم يكون في الجبل . { إذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } يقول : إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر : { لا تَحْزَنْ } وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما ، فجزع من ذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَحْزَنْ لأنَّ اللَّهَ مَعَنا ، واللَّهُ ناصِرُنا ، فَلَنِ يَعْلَمَ المُشْرِكُونَ بِنا ، وَلَنْ يَصِلُوا إلَيْنَا " يقول جلّ ثناؤه : فقد نصره الله على عدوّه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد ، فكيف يخذله ويحوجه إليكم وقد كثر الله أنصاره وعدد جنوده ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { إلاَّ تَنْصُرُوهُ } ذكر ما كان في أوّل شأنه حين بعثه يقول الله : فأنا فاعل ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { إلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } قال : ذكر ما كان في أوّل شأنه حين بعث ، فالله فاعل به كذلك ناصره كما نصره إذا ذاك { ثانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الغارِ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ … } الآية ، قال : فكان صاحبه أبو بكر . وأما الغار : فجبل بمكة يقال له ثور . حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا أبان العطار ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن عروة ، قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، وكان لأبي بكر منيحة من غنم تروح على أهله ، فأرسل أبو بكر عامر بن فُهيرة في الغنم إلى ثور ، وكان عامر بن فهيرة يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم بالغار في ثور ، وهو الغار الذي سماه الله في القرآن . حدثني يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي ، قال : ثنا عفان وحبان ، قالا : ثنا همام ، عن ثابت عن أنس ، أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم ، قال : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، وأقدام المشركين فوق رُءُوسِنَا ، فقلت : يا رسول الله ، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا فقال : " يا أبا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثَهُما " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : مكث أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثاً . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : { إذْ هُما فِي الغارِ } قال : في الجبل الذي يسمى ثوراً ، مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثلاث ليال . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث ، عن أبيه : أن أبا بكر الصديق رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال : أيكم يقرأ سورة التوبة ؟ قال رجل : أنا ، قال : اقرأ فلما بلغ : { إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ } بكى أبو بكر وقال : أنا والله صاحبه . القول في تأويل قوله تعالى : { فأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وأيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَروُا السُّفْلَى وكلمةٌ اللَّهِ هِيَ العُلْيا واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . يقول تعالى ذكره : فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله وقد قيل : على أبي بكر { وأيَّدهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } يقول : وقوّاه بجنود من عنده من الملائكة لم تروها أنتم . { وَجَعَلَ كِلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا } وهي كلمة الشرك { السُّفْلَى } لأنها قُهرت وأذّلت وأبطلها الله تعالى ومحق أهلها ، وكلّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب والغالب هو الأعلى . { وكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العْلْيَا } يقول : ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلا الله ، وهي كلمته العليا على الشرك وأهله ، الغاليةُ . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } وهي : الشرك بالله . { وكَلِمَةُ اللَّهُ هِيَ العُلْيا } وهي لا إله إلا الله . وقوله : { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا } خبر مبتدأ غير مردود على قوله : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } لأن ذلك لو كان معطوفاً على الكلمة الأولى لكان نصباً . وأما قوله : { واللَّهُ عَزِيرٌ حَكِيمٌ } فإنه يعني : والله عزيز في انتقامه من أهل الكفر به ، لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب ولا ينصره من عاقبه ناصر ، حكيم في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم في مشيئته .