Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 78-79)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يكفرون بالله ورسوله سرًّا ، ويظهرون الإيمان بهما لأهل الإيمان بهما جهراً ، أن الله يعلم سرّهم الذي يسرونه في أنفسهم من الكفر به وبرسوله ، { وَنَجْوَاهُمْ } يقول : ونجواهم إذا تناجوا بينهم بالطعن في الإسلام وأهله وذكرهم بغير ما ينبغي أن يذكروا به ، فيحذروا من الله عقوبته أن يحلها بهم وسطوته أن يوقعها بهم على كفرهم بالله وبرسوله وعيبهم للإسلام وأهله ، فينزعوا عن ذلك ويتوبوا منه . { وأنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } يقول : ألم يعلموا أن الله علام ما غاب عن اسماع خلقه وابصارهم وحواسهم مما أكنته نفوسهم ، فلم يظهر على جوارحهم الظاهرة ، فينهاهم ذلك عن خداع أوليائه بالنفاق والكذب ويزجرهم عن اضمار غير ما يبدونه ، واظهار خلاف ما يعتقدونه . يقول تعالى ذكره : الذين يلمزون المطوّعين في الصدقة على أهل المسكنة والحاجة ، بما لم يوجبه الله عليهم في أموالهم ، ويطعنون فيها عليهم بقولهم : إنما تصدّقوا به رياء وسمعة ، ولم يريدوا وجه الله ، ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدّقون به إلا جهدهم ، وذلك طاقتهم ، فينتقصونهم ويقولون : لقد كان الله عن صدقة هؤلاء غنيًّا سخرية منهم وبهم . { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ } وقد بينا صفة سخرية الله بمن يسخر به من خلقه في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا . { وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يقول : ولهم من عند الله يوم القيامة عذاب موجع مؤلم . وذُكر أن المعنيّ بقوله : { المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنينَ } عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عديّ الأنصاري ، وأن المعنيّ بقوله : { والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } أبو عقيل الأراشي أخو بني أنيف . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { والَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام ، فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء وقالوا : إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يجدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس يوماً فنادى فيهم : أن اجْمَعُوا صَدَقَاتِكُمْ فجمع الناس صدقاتهم . ثم جاء رجل من أحوجهم بمنّ من تمر ، فقال : يا رسول الله هذا صاع من تمر ، بتّ ليلتي أجرّ بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات . فسخر منه رجال وقالوا : والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا ، وما يصنعان بصاعك من شيء ثم إن عبد الرحمن بن عوف رجل من قريش من بني زهرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل بقي من أحد من أهل هذه الصدقات ؟ فقال : " لا " فقال عبد الرحمن بن عوف : إن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات . فقال له عمر بن الخطاب : أمجنون أنت ؟ فقال : ليس بي جنون . فقال : أتعلم ما قلت ؟ قال : نعم ، مالي ثمانية آلاف : أما أربعة فأقرضها ربي ، وأما أربعة آلاف فلي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيما أمْسَكْتَ وَفِيما أعْطَيْتَ " وكره المنافقون فقالوا : والله ما أعطي عبد الرحمن عطيته إلا رياء وهم كاذبون ، إنما كان به متطوعاً . فأنزل الله عذره ، وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر ، فقال الله في كتابه : { والَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ … } الآية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بصدقة ماله أربعة آلاف ، فلمزه المنافقون ، وقالوا : راءى . { والَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } قال : رجل من الأنصار ، آجر نفسه بصاع من تمر لم يكن له غيره ، فجاء به فلمزوه ، وقالوا : كان الله غنيًّا عن صاع هذا . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ … } الآية ، قال : أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله ، فتقرّب به إلى الله ، فلمزه المنافقون ، فقالوا : ما أعطى ذلك إلا رياءً وسمعة فأقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له : حبحاب أبو عقيل ، فقال : يا نبي الله ، بتّ أجر الجرير على صاعين من تمر : أما صاع فأمسكته لأهلي ، وأما صاع فها هو ذا . فقال المنافقون : والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا فأنزل الله في ذلك القرآن : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ } … الآية . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ } قال : تصدّق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله ، وكان ماله ثمانية آلاف دينار ، فتصدّق بأربعة آلاف دينار ، فقال ناس من المنافقين : إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء فقال الله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ } وكان لرجل صاعان من تمر ، فجاء بأحدهما ، فقال ناس من المنافقين : إن كان الله عن صاع هذا لغنيًّا فكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون بهم ، فقال الله : { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ولَهُمْ عَذابَّ ألِيمٌ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تَصَدَّقُوا فإنّي أُرِيدُ أنْ أبْعَثَ بَعْثاً " قال : فقال عبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله ، إن عندي أربعة آلاف : ألقين أقرضهما الله ، وألفين لعيالي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيما أعْطَيْتُ ، وبَارَكَ لَكَ فِيما أمْسَكْتَ " فقال رجل من الأنصار : وإن عندي صاعين من تمر ، صاعاً لربي ، وصاعاً لعيالي قال : فلمز المنافقون ، وقالوا : ما أعطى ابن عوف هذا إلا رياءً وقالوا : أو لم يكن الله غنيًّا عن صاع هذا فأنزل الله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ … } إلى آخر الآية . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن سعد . قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ } قال : أصاب الناس جهد شديد ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدّقوا ، فجاء عبد الرحمن بأربعمائة أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُم بارِكْ لَهُ فيما أمْسَكَ " فقال المنافقون : ما فعل عبد الرحمن هذا إلا رياءً وسمعه وقال : وجاء رجل بصاع من تمر ، فقال : يا رسول الله آجرت نفسي بصاعين ، فانطلقت بصاع منهما إلى أهلي وجئت بصاع من تمر . فقال المنافقون : إن الله غنيّ عن صاع هذا فأنزل الله هذه الآية : { والَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ … } الآية ، وكان من المطَّوّعين من المؤمنين في الصدقات : عبد الرحمن بن عوف ، تصدّق بأربعة آلاف دينار وعاصم بن عدّي أخو بني عجلان . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب في الصدقة وحضّ عليها ، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدّق بأربعة آلاف درهم ، وقام عاصم بن عدّي فتصدّق بمائة وسق من تمر . فلمزوهما وقالوا : ما هذا إلا رياء وكان الذي تصدّق بجهده أبو عقيل ، أخو بني أنيف الأراشي حليف بني عمرو بن عوف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغه في الصدقة ، فتضاحكوا به ، وقالوا : إن الله لغنيّ عن صاع أبي عقيل . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : ثنا شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل قال أبو النعمان : كنا نعمل قال : فجاء رجل فتصدّق بشيء كثير ، قال : وجاء رجل فتصدق بصاع تمر ، فقالوا : إن الله لغنيّ عن صاع هذا فنزلت : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا زيد بن حباب ، عن موسى بن عبيدة ، قال : ثني خالد بن يسار ، عن ابن أبي عقيل ، عن أبيه ، قال : بتّ أجر الجرير على ظهري على صاعين من تمر ، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلَّغون به ، وجئت بالآخر أتقرّب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : " انْثُرْهُ في الصَّدَقَةِ " فسخر المنافقون منه وقالوا : لقد كان غنيًّا عن صدقة هذا المسكين فأنزل الله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ … } الآيتين . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا الجريري عن أبي السليل ، قال : وقف على الحيّ رجل ، فقال : ثني أبي أو عمي ، فقال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " مَنْ يَتَصَدَّق اليَوْمَ بصَدَقَةٍ أشْهَدْ لَهُ بِها عِنْدَ الله يَوْمَ القِيامَةِ " قال : وعليّ عمامة لي ، قال : فنزعت لَوْثا أو لوثين لأتصدق بهما قال ثم أدركني ما يدرك ابن آدم ، فعصبت بها رأسي . قال : فجاء رجل لا أرى بالبقيع رجلاً اقصر قمه ، ولا اشدّ سواداً ، ولا اذم لعيني منه ، يقود ناقة لا أرى بالبقيع أحسن منها ، ولا أجمل منها ، قال : أصدقة هي يا رسول الله قال : نعم . قال : فدونكها ، فألقى بخطامها أو بزمامها . قال : فلمزه رجل جالس ، فقال : والله إنه ليتصدّق بها ولهي خير منه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ومِنْها " يقول ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، يقول : الذي تصدّق بصاع التمر فلمزه المنافقون ، أبو خيثمة الأنصاريّ . حدثني المثنى ، قال : ثنا محمد بن رجاء أبو سهل العباداني قال : ثنا عامر بن يِساف اليمامي ، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي ، قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله مالي ثمانية آلاف ، جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارَكَ اللَّهُ فِيما أعْطَيْتَ وَفِيما أمْسَكْتَ " وجاء رجل آخر فقال : يا رسول الله ، بتّ الليلة أجر الماء على صاعين ، فأما أحدهما فتركت لعيالي ، وأما الآخر فجئتك به ، اجعله في سبيل الله فقال : " بارَكَ اللَّهُ فِيما أعْطَيْتَ وَفِيما أمْسَكْتَ " فقال ناس من المنافقين : والله ما أعطى عبد الرحمن إلا رياء وسمعة ، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع فلان فأنزل الله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ } يعني عبد الرحمن بن عوف ، { والَّذِينَ لاَ يَجِدُون إلاَّ جُهْدَهُمْ } يعني صاحب الصاع ، { فَيَسْخَرُونَ منْهُمْ سَخَرَ اللَّهُ منْهُمْ ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال ابن عباس : أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يجمعوا صدقاتهم ، وإذا عبد الرحمن بن عوف قد جاء بأربعة آلاف ، فقال : هذا مالي أقرضه الله وقد بقي لي مثله فقال له : " بُورِكَ لك فِيما أعْطَيْتَ وَفِيما أمْسَكْتَ " فقال المنافقون : ما أعطي إلا رياء ، وما أعطى صاحب الصاع إلا رياء ، إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا وما يصنع الله بصاع من شيء ؟ حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ … } إلى قوله : { ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } قال : أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتصدقوا ، فقام عمر بن الخطاب فألقى مالاً وافراً ، فأخذ نصفه قال : فجئت أحمل مالاً كثيراً ، فقال له رجل من المنافقين : ترائي يا عمر ؟ فقال عمر : أرائي الله ورسوله ، وأما غيرهما فلا . قال : ورجل من الأنصار لم يكن عنده شيء ، فآجر نفسه ليجر الجرير على رقبته بصاعين ليلته ، فترك صاعاً لعياله وجاء بصاع يحمله ، فقال له بعض المنافقين : إن الله ورسوله عن صاعك لغنيان فذلك قول الله تبارك وتعالى : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ } هذا الأنصاري ، { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } . وقد بينا معنى اللمز في كلام العرب بشواهده وما فيه من اللغة والقراءة فيما مضى وأما قوله : { المُطَّوّعِينَ } فإن معناه : المتطوّعين ، أدغمت التاء في الطاء ، فصارت طاء مشددة ، كما قيل : وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيْراً يعني يتطوّع . وأما الجهد فإن للعرب فيه لغتين ، يقال : أعطاني من جُهده بضم الجيم ، وذلك فيما ذكر لغة أهل الحجاز ، ومن جَهْدٍ بفتح الجيم ، وذلك لغة نجد . وعلى الضم قراءة الأمصار ، وذلك هو الاختيار عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وأما أهل العلم بكلام العرب من رواة الشعر وأهل العربية ، فإنهم يزعمون أنها مفتوحة ومضمومة بمعنى واحد . وإنما اختلاف ذلك لاختلاف اللغة فيه كما اختلفت لغاتهم في الوُجد والوَجْد بالضم والفتح من « وجدت » . ورُوي عن الشعبي في ذلك ما : حدثنا أبو كريب . قال : ثنا جابر بن نوح ، عن عيسى بن المغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : الجُهْد في العمل ، والْجَهْد في القوت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن عيسى بن المغيرة ، عن الشعبي ، مثله . قال : ثنا ابن إدريس ، عن عيسى بن المغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : الجُهْد في العمل ، والجَهْد في المعيشة .