Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-77)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم { مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ } يقول : أعطى الله عهدا ، { لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ } يقول : لئن أعطانا الله من فضله ، ورزقنا مالاً ، ووسع علينا من عنده { لَنَصَّدَّقَنَّ } يقول : لنخرجنّ الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربنا ، { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } يقول : ولنعملنّ فيها بعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم به وإنفاقه في سبيل الله . يقول الله تبارك وتعالى فرزقهم الله وآتاهم من فضله ، { فلما آتاهم } الله { من فَضْلِه بخلوا به } بفضل الله الذي آتاهم ، فلم يصدقوا منه ، ولم يصلوا منه بقرابة ، ولم ينفقوا في حق الله . { وَتَوَلَّوْا } يقول : وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله ، { وهُمْ مُعْرِضُونَ } عنه . { فَأعْقَبَهُمُ } الله { نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ } ببخلهم بحقّ الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله ، وإخلافهم الوعد الذي وعدوا الله ، ونقضهم عهده في قلوبهم { إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ } من الصدقة والنفقة في سبيله ، { وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } في قيلهم ، وحرّمهم التوبة منه لأنه جلّ ثناؤه اشترط في نفاقهم أنه أعقبهموه { إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا . واختلف أهل التأويل في المعنى بهذه الآية ، فقال بعضهم : عني بها رجل يقال له ثعلبة بن حاطب من الأنصار . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ … } الآية ، وذلك أن رجلاً يقال له ثعلبة بن حاطب من الأنصار ، أتى مجلساً فأشهدهم ، فقال : لئن آتاني الله من فضله ، آتيت منه كلّ ذي حقّ حقه ، وتصدّقت منه ، ووصلت منه القرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله ، فأخلف الله ما وعده ، وأغضب الله بما أخلف ما وعده ، فقصّ الله شأنه في القرآن : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ … } الآية ، إلى قوله : { يَكْذِبُونَ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا هشام بن عمار ، قال : ثنا محمد بن شعيب ، قال : ثنا معاذ بن رفاعة السُّلَمي ، عن أبي عبد الملك عليّ بن يزيد الإلهاني ، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن ، أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي ، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني مالاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَيحَكَ يا ثَعْلَبَة ، قَلِيلٌ تُؤَدّى شُكْرَهُ ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لا تُطِيقُه " قال : ثم قال مرّة أخرى ، فقال : " أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ ؟ فَوَالَّذِي نَفُسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أنْ تَسِيرَ مَعي الجِبَالُ ذَهَباً وَفِضَّةً لَسارَتْ " قال : والذي بعثك بالحقّ ، لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطينّ كل ذي حقّ حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالاً " قال : فاتخذ غنما ، فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ، فنزل وادياً من أدويتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت ، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة . فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فَعَلَ ثَعْلَبَةُ ؟ " فقالوا : يا رسول الله اتخذ غنماً فضاقت عليه المدينة ، فأخبروه بأمره فقال : " يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ " قال : وأنزل الله : { خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً … } الآية . ونزلت عليه فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة ، رجلاً من جهينة ، ورجلاً من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ، وقال لهما : " مُرَّا بثعلبة ، وبفلان رجل من بني سليم فخُذَا صَدَقَاتِهمَا " فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم عودوا إليّ فانطلقا ، وسمع بهما السلميّ ، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها ، قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما تريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى فخذوه فإن نفسي بذلك طيبة وإنما هي لي فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، وانطلقا حتى أرى رأيي ، فأنطلقا حتى أتيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال : يا ريح ثعلبة قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلميّ بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلميّ ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لنصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ … } إلى قوله : { وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يقبل منه صدقته . فقال : " إنَّ اللَّهَ مَنَعَنِي أنْ أقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ " فجعل يحثي على رأسه التراب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هَذَا عَمَلُكَ ، قَدْ أمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي " فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجع إلى منزله ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً . ثم أتى أبا بكر حين استخلف ، فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقبلها ؟ فقُبض أبو بكر ولم يقبضها . فلما ولي عمر أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، وأنا لا أقبلها منك فقُبض ولم يقبلها . ثم ولي عثمان رحمة الله عليه ، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ولا عمر رضوان الله عليهما وأنا لا أقبلها منك فلم يقبلها منه ، وهَلك ثعلبة في خلافة عثمان رحمة الله عليه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ … } الآية : ذُكر لنا أن رجلاً من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار ، فقال لئن آتاه الله مالاً ، ليؤدّينّ إلى كلّ ذي حقّ حقه فآتاه الله مالاً ، فصنع فيه ما تسمعون . قال : { فَمَا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ … } إلى قوله : { وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث أن موسى عليه الصلاة والسلام لمَّا جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل قالت بنو إسرائيل : إن التوراة كثيرة ، وإنا لا نفرغ لها ، فسل لنا ربك جماعاً من الأمر نحافظ عليه ونتفرّغ فيه لمعايشنا قال : يا قوم مهلاً مهلاً ، هذا كتاب الله ، ونور الله ، وعصمة الله . قال : فأعادوا عليه ، فأعاد عليهم ، قالها ثلاثاً . قال : فأوحى الله إلى موسى : ما يقول عبادي ؟ قال : يا ربّ يقولون : كيت وكيت . قال : فإني آمرهم بثلاث إن حافظوا عليهنّ دخلوا بهنّ الجنة : أن ينتهوا إلى قسمة الميراث فلا يظلموا فيها ، ولا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم ، وأن لا يطعموا طعاماً حتى يتوضؤوا وضوء الصلاة . قال : فرجع بهنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، ففرحوا ورأوا أنهم سيقومون بهنّ ، قال : فوالله ما لبث القوم إلا قليلاً حتى جنحوا ، وانقطع بهم فلما حدّث نبيّ الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل ، قال : " تكَفَّلُوا لي بستّ أتكفل لكم بالجنة " قالوا : ما هنّ يا رسول الله ؟ قال : " إذا حدثتم فلا تكذبوا ، وإذا وعدتم فلا تخلفوا ، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا ، وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم وأبصاركم عن الخيانة وأيديكم عن السرقة وفروجكم عن الزنا " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ صَارَ مُنافِقاً وإنْ صَامَ وصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وإذَا اؤتُمِنَ خانَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ " وقال آخرون : بل المعنيّ بذلك : رجلان : أحدهما ثعلبة ، والآخر معتب بن قشير . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ … } إلى الآخر ، وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، هما من بني عمرو بن عوف . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ } قال : رجلان خرجا على ملإ قعود ، فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدَّقَنَّ فلما رزقهم الله بخلوا به . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ } رجلان خرجا على ملإ قعود ، فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدّقنّ فلما رزقهم بخلوا به ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه حين قالوا : لنصدّقنّ فلم يفعلوا . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد نحوه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَّنَّ … } الآية ، قال : هؤلاء صنف من المنافقين ، فلما آتاهم ذلك بخلوا به فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقاً إلى يوم يلقونه ، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو ، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة . وقال أبو جعفر : في هذه الآية الإبانة من الله جلّ ثناؤه عن علامة أهل النفاق ، أعني في قوله : { فأعْقَبَهُم نِفَاقاً في قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ } . وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين ، ووردت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : اعتبروا المنافق بثلاث : إذ حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر . وأنزل الله تصديق ذلك في كتابه : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ … } إلى قوله : { يَكْذِبُونَ } . حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن السماك ، عن صبيح بن عبد الله بن عميرة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان . قال : وتلا هذه الآية : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ … } إلى آخر الآية . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت صبيح بن عبد الله القيسي يقول : سألت عبد الله بن عمرو ، عن المنافق ، فذكر نحوه . حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو هشام المخززمي ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا عثمان بن حكيم ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرظَيّ ، يقول : كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث : بالكذب ، والإخلاف ، والخيانة . فالتمستها في كتاب الله زماناً لا أجدها . ثم وجدتها في آيتين من كتاب الله ، قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ … } حتى بلغ : { وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ، وقوله : { إنَّا عَرَضْنا الأمانَةَ على السَّمَوَاتِ والأرْضِ } هذه الآية . حدثني القاسم بن بشر بن معروف ، قال : ثنا أسامة ، قال : ثنا محمد المخرمي ، قال : سمعت الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِقٌ وَإنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وإذَا اؤتُمِنَ خانَ " فقلت للحسن : يا أبا سعيد لئن كان لرجل عليّ دين فلقيني ، فتقاضاني وليس عندي ، وخفت أن يحبسني ويهلكني ، فوعدته أن أقضيه رأس الهلال فلم أفعل ، أمنافق أنا ؟ قال : هكذا جاء الحديث . ثم حدّث عن عبد الله بن عمرو أن أباه لما حضره الموت ، قال : زوّجوا فلاناً فإني وعدته أن أزوجه ، لا ألقى الله بثلث النفاق قال : قلت : يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقاً وثلثاه مؤمن ؟ قال : هكذا جاء الحديث . قال : فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فأخبرته الحديث الذي سمعته من الحسن ، وبالذي قلت له وقال لي . فقال : أعجزت أن تقول له : أخبرني عن إخوة يوسف عليه السلام ، ألم يَعِدوا أباهم فأخلفوه وحدّثوه فكذَبوه وأتمنهم فخانوه ، أفمنافقين كانوا ؟ ألم يكونوا أنبياء أبوهم نبيّ وجدّهم نبيّ ؟ قال : فقلت لعطاء : يا أبا محمد حدثني بأصل النفاق ، وبأصل هذا الحديث فقال : حدثني جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصة الذين حدّثوا النبيّ فكذبوه ، وأتمنهم على سرّه فخانوه ، ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه . قال : وخرج أبو سفيان من مكة ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " إنَّ أبا سُفْيانَ فِي مَكانِ كَذَا وكَذَا ، فاخْرُجُوا إلَيْهِ وَاكْتُمُوا " قال : فكتب رجل من المنافقين إليه أن محمداً يريديكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله : { لاَ تَخُونُوا اللَّهَ والرَّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وأنزل في المنافقين : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضله … } ، إلى { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } فإذا لقيت الحسن فاقرئه السلام وأخبره بأصل هذا الحديث وبما قلت لك فقدمت على الحسن فقلت له إن أخاك عطاء يقرئك السلام فأخبرته بالحديث الذي حدّث وما قال لي .