Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { والشَّمْسِ وَضُحاها } قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ومعنى الكلام : أقسم بالشمس ، وبضحى الشمس . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { وَضُحاها } فقال بعضهم : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى : هو النهار كله . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { والشَّمْسِ وَضُحاها } قال : هذا النهار . وقال آخرون : معنى ذلك : وضوئها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَالشَّمْسِ وَضُحاها } قال : ضوئها . والصواب من القول في ذلك أن يقال : أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها ، لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار . وقوله : { وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تَبِع الشمس ، وذلك في النصف الأوّل من الشهر ، إذا غُرِبت الشمسَ ، تلاها القمر طالعاً . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَالقَمَرِ إذَا تَلاها } قال : يتلو النهار . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قوله : { وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } يعني : الشمس إذا تبعها القمر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } قال : تبعها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } قال : إذا تلاها ليلة الهلال . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { والشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها } قال : هذا قسم ، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل ، وتتلوه النصف الآخر ، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها ، وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف الآخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه هي . وقوله : { وَالنَّهارِ إذَا جَلاَّها } يقول : والنهار إذا جَلاَّها ، قال : إذا أضاء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَالنَّهارِ إذَا جَلاَّها } قال : إذا غشيها النهار . وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى : والنهار إذا جَلاَّ الظلمة ، ويجعل الهاء والألف من جلاَّها كناية عن الظلمة ، ويقول : إنما جاز الكناية عنها ، ولم يجر لها ذكر قبل ، لأن معناها معروف ، كما يعرف معنى قول القائل : أصبحت باردة ، وأمست باردة ، وهبَّت شمالاً ، فكنى عن مؤنثات لم يجر لها ذكر ، إذ كان معروفاً معناهن . والصواب عندنا في ذلك : ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم ، لأنهم أعلم بذلك ، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه . وقوله : { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشاها } يقول تعالى ذكره : والليل إذا يغشى الشمس ، حتى تغيب فتظلمَ الآفاقُ . وكانت قتادة يقول في ذلك ما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَاللَّيْل إذَا يَغْشاها } : إذا غَشَّاها الليل . وقوله : { وَالسَّماءِ وَما بَناها } يقول جلّ ثناؤه : والسماء ومَنْ بناها ، يعني : ومَنْ خلَقها ، وبناؤه إياها : تصييره إياها للأرض سقفاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَالسَّماءِ وَما بَناها } وبناؤها : خَلْقُها . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَالسَّماءِ وَما بَناها } قال : الله بنى السماءَ . وقيل : { وَما بَناها } وهو جلّ ثناؤه بانيها ، فوضع « ما » موضع « مَنْ » ، كما قال وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ ، فوضع « ما » في موضع « مَنْ » ، ومعناه ، ومَن ولد ، لأنه قَسَمٌ أقسم بآدم وولده ، وكذلك : { وَلا تَنْكِحوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ } ، وقوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ } وإنما هو : فانكحوا مَنْ طاب لكم . وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر ، كأنه قال : والسماء وبنائها ، ووالد وولادتِه . وقوله : { وَالأَرْضِ وَما طَحاها } وهذه أيضاً نظير التي قبلها ، ومعنى الكلام : والأرض ومَنْ طحاها . ومعنى قوله : { طَحاها } : بسطها يميناً وشمالاً ، ومن كلّ جانب . وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : { طَحاها } فقال بعضهم : معنى ذلك : والأرض وما خلق فيها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَالأَرْضِ وَما طَحاها } يقول : ما خلق فيها . وقال آخرون : يعني بذلك : وما بسطها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عُمارة ، قال : ثنا عُبيد الله بن موسى ، قال : ثنا عيسى وحَدَّثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَالأَرْضِ وَما طَحاها } قال : دحاها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَما طَحاها } قال : بَسَطَها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما قسمها . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَالأَرْضِ وَما طَحاها } يقول : قسمها . وقوله : { وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها } يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَما سَوَّاها } نفسه ، لأنه هو الذي سوّى النفسَ وخلقها ، فعدّل خلقها ، فوضع « ما » موضع « مَنْ » ، وقد يُحتمل أن يكون معنى ذلك أيضاً المصدر ، فيكون تأويله : ونفس وتسويَتها ، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها . وقوله : { فألهَمها فُجُورَها وتَقْوَاها } يقول تعالى ذكره : فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير ، أو شرّ أو طاعة ، أو معصية . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } يقول : بَيّنَ الخيرَ والشرَّ . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فأَلهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها } يقول : بيّن الخيرَ والشرَّ . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } قال : علَّمها الطاعة والمعصية . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } قال : عَرّفها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } : فبَيَّن لها فجورها وتقواها . وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } ، بيّن لها الطاعةَ والمعصيةَ . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مِهْران ، عن سفيان { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } قال : أعلمها المعصيةَ والطاعةَ . قال : ثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن الضحاك بن مزاحم { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } قال : الطاعةَ والمعصيةَ . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن الله جعل فيها ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها } قال : جعل فيها فجورَها وتقواها . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل ، قالا : ثنا عزرة بن ثابت ، قال : ثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يَعْمَر ، عن أبي الأسود الدِّيليّ ، قال : قال لي عمران بن حُصين : أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه ، أشيء قُضِيَ عليهم ، ومضى عليهم من قَدَرٍ قد سبق ، أو فيما يستقبلون ، مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قُضِيَ عليهم ، قال : فهل يكون ذلك ظلماً ؟ قال : ففزعت منه فزعاً شديداً ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خَلْقُه ، ومِلْكُ يده ، { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } قال : سدّدك الله ، إنما سألتك « أظنه أنا » لأخْبُرَ عقلك . إن رجلاً من مُزَينة أو جهينة ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أرأيتَ ما يعملُ الناس فيه ويتكادحون : أشيء قضي عليهم ، ومضى عليهم من قَدَرٍ سبق ، أو فيما يستقبلون ، مما أتاهم به نبيهم عليه السلام ، وأكَّدت به عليهم الحجة ؟ قال : " فِي شَيْءٍ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ " قال : ففيم نعملُ ؟ قال : " مَنْ كانَ اللّهُ خَلَقَهُ لإِحْدَى المَنْزِلَتَينِ يُهَيِّئُهُ لَهَا ، وَتَصْدِيقُ ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ : { وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فأَلَهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها } " .